للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طرق تؤدي إلى الشرك]

وهناك طرق تؤدي إلى الشرك, ويجب أن نحذرها، وقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ليس منا من تطير أو تُطير له, أو تكهن أو تُكهن له, أو سحر أو سُحر له, ومن أتى كاهناً وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) من هو الكاهن؟ هو الذي يدعي معرفة الأمور المغيبة, لأسباب ومسببات, فبعضهم يحصد اسم الشخص وأمه, وبعضهم ينظر في وجوههم ويراقبها, وبعضهم ينظر في الكف والذراع, وبعضهم ينظر في الحصى والمسبحة, وبعضهم يدعي أن له صاحباً من الجن وهو يخبره بالمغيبات, والله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:٦٥].

ولو كانت الجن تعلم الغيب لعلمت بموت سليمان عليه السلام, لقد سخرهم الله لسليمان عليه السلام قال تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ:١٣] وقال سبحانه: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:١٤] فالجن مقبوضون تحت قدرة الله, لا يقدرون على شيء, ولا يملكون شيئاً, ولا يعلمون شيئاً من الغيب: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:٦٥].

فمن جاء إلى الكاهن وسأله عن شيء؛ عن غائب: متى يرجع؟ أو عن مريض: هل يشفى أو يموت؟ يتزوج هذه الزوجة تكون سعيدة أم تكون شقية؟ وغيرها من الأمور المغيبة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -في معنى الحديث-: (فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد, ومن جاءه غير مصدقٍ له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة).

قال: ومن الكهان أيضاً رجل يدعي أنه له سراً مع الله, وأن الله تبارك وتعالى أكرمه بعلم الغيب كما أكرم الأنبياء والمرسلين, كما أكرم عيسى بن مريم الذي كان ينبئهم بما يدخرون في بيوتهم, وغالب هؤلاء لا يؤدون الفرائض ولا يجتنبون المحارم, وإنما يجعل هذا وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل, ويحال أن يرزق الله مثل هذا سراً حتى يلج الجمل في سم الخياط, ومن رزقه الله سراً وكانت بينه وبين الله سريرة لا يجعل كرامة الله وسيلة للناس يبتاع ويشتري بها, ليخبرهم بالمغيبات, وليقضي لهم الحوائج ليأخذ بذلك عرضاً من الدنيا قليلاً, نسأل الله السلامة والعفو والعافية.

إخواني وأحبابي: إن أول ما نتواصى به أن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله الكريم, فاعبدوا الله وحده لا شريك له, وأن يكون على منهاج محمدٍ بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه, قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١].

وأنا لا أطيل عليكم, ولكنني أختم بهذه الكلمة بحديث عظيم أخرجه الإمام الترمذي في سننه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فقال لي: (يا غلام! ألا أعلمك كلمات؟ احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك -في الدنيا في البرزخ في الآخرة- إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأفلام وجفت الصحف).

اللهم اجلعنا من الموحدين, اللهم أجرنا من الشرك الخفي والظاهر, نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه.

وكنت أريد أن أشير إليها ولكن لم يدع الخطيب مقالة لقائل, جاء بالأمر كله واستوعب المقال كله, ونسأل الله أن يوفقنا للعمل بما قال, وأن يجعلنا من الذين يقولون ويفعلون, وألا يجعلنا من الذين يقولون ما لا يفعلون, وأن يجعلنا من الصادقين.

فالفرق بين المؤمن والمنافق في الجهاد يقول الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:١٥] وقال سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٢٣] ويقول سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨].

والآخرون قال فيهم: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:٢٠ - ٢١].

اللهم اجعلنا من الصادقين, ووفقنا لما تحبه وترضى يا رب العالمين.

إخواني وأحبابي: هذا ابتلاء للمؤمنين -كما ذكره الشيخ- أن الله تبارك وتعالى يبتلي المؤمنين حيث قال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤] وإذ أننا نقرأ في القرآن المجيد قصة أهل الأخدود في نجران الذين أحرقهم ذو نواس بالنار يقول سبحانه وتعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:٤ - ٨].

وهذا هو مجال الابتلاء, ليتبين الصادق من الكاذب, من الذي يتقهقر؟ نسأل الله أن يجعلنا من الصادقين, وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى, وأن يطيل أعمار علمائنا وشبابنا الذين يدعون إلى الله بهذا الأسلوب الناصع الحاد, نسأل الله أن يكلل أعمالهم بالنجاح.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته