للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب تقدير الله حق قدره]

أتظنون أن الله حرَّم الحرام عبثاً؟! أو أمر بالواجب عبثاً؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:١١٥]، {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:٣٦].

إن الإنسان ما خُلِق عبثاً، وما أُمِر عبثاًَ، وما نُهِي عبثاً، ما أُمِر بالشرع عبثاً، وما نُهِي عن أمر عبثاً، بل كل أمر فيه حكمة، وكل ندب فيه حكمة، وكل زجر فيه حكمة، فمن سلَّم لحكمة الله أورثه ذلك وقاراً وهيبةً وإجلالاً لله، ولأجل ذا قال نوح عليه السلام لقومه لما وجد عنادهم وإصرارهم، ووجدهم يستغشون ثيابهم، ويضعون أصابعهم في آذانهم، ويصرون إصراراً، ويستكبرون استكباراً، جعل المعول في هذا كله أنهم لا يعرفون لله قدراً ووقاراً، فقال: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:١٣] لو كنتم تعظمون الرب حق التعظيم، وتجلونه حق الجلالة، وتخشونه حق الخشية، وتهابونه تمام الهيبة، وتراقبونه حق المراقبة، لأورث ذلك استجابة لأنبيائه ودعاته ورسله؛ ولكن لما غاب التعظيم والوقار فلا تسل عن ألوان المعاصي، ولأجل ذلك كان العلم الخشية: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

كفى بخشية الله علماً: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] مَن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ولما جاء الثلاثة النفر إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته وكأنهم تقالُّوها، قال أحدهم: (وأين نحن من رسول الله وقد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فلا آكل لحماً، وقال الآخر، لا أستظل ظلاً، وقال الآخر: لا أطأ فراشاً ولا ألتذ بنوم، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم غضب واحمر وجهه وخطب الناس وقال: ما بال أقوام يرغبون عن سنتي إلى أن قال: أما إني لأَعْلَمُكُم بالله وأخشاكم له) فترتب الخشية على العلم.

لذا حاجتنا أن نعلم لله عظيم وقاره وعظيم قدره: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧].

إننا بحاجة قبل أن ننذر العصاة وأن نذكرهم أن نعرفهم من هو الرب الذي عصوه! ومن هو الرب الذي خالفوا أمره! إذ أن من عصاك ولا يعرف قدرك لا يبالي بما استمر عليه من المعصية، فالحاجة ماسة إلى إنكار المنكر مع بيان عظمة الرب جل وعلا لهؤلاء الخلق جميعاً.

نقول: إن الأصل في كل مسلم أن يقبل الحق مستجيباً له على أية حال.