للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب الهلاك: انتشار الظلم]

أيضاً من أسباب الهلاك: الظلم، هلكت أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتعٍ فيه.

أيها الأحبة: الظلم من أخطر الأمور، رب عبدٍ من عباد الله يرتكب ذنباً فيما بينه وبين الله فيتوب منه، ورب شاب يفعل فاحشة ثم يتوب توبة نصوحاً بعدها، لكن الظلم من أخبث أسباب الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [يونس:١٣] وقال ابن تيمية رحمه الله عند قوله جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢] قال: وإن دلت الآية ابتداء وأصالة على أن الظلم الوارد فيها معنيٌ بالذي جاء في سورة لقمان: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] لكن يدخل فيه ظلم العباد بعضهم بعضاً.

وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه) لأن هذا فلان بن فلان! هذا له واسطة! هذا له جاه! (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيع) أحضروا هذا الذي لا يستحي، هذا الذي ليس بكفوٍ، أحضروه لنا: (أقاموا عليه الحد) هذا من أسباب الهلاك؛ لأن هذه صورة من صور الظلم، إذا كان الظالم قوياً لا ينتصف منه للمظلوم فبقي المظلوم مظلوماً.

تنام عينك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك وعين الله لم تنم

وما من يدٍ إلا يد الله فوقها ولا ظالمٍ إلا سيبلى بأظلم

هذه من صور الظلم والحيف والجور في التطبيق، ولذلك ينبغي أن نتواصى في أن يكون الإنكار على الشريف والوضيع، والصغير والكبير، فإن كان منكراً كلٌ ينكر عليه، ويؤتى إليه، ويعطى ما يناسبه، لكن لا يعني ذلك محاباته ومداهنته، وإن كانت القضية حداً من حدود الله: (وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) لما سرقت المخزومية فعظم ذلك على قومها فقالوا: بمن نشفع؟ من الذي يتوسط لنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: حب رسول الله وابن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد بن حارثة، كان الرسول يحبه ويحب أباه، فجاء أسامة يتوقع أن المسألة شفاعة عادية، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم واحمر وجهه وانتفخت أوداجه: (يا أسامة! أتشفع في حدٍ من حدود الله؟! وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

فإذا رأيت الأمة تقام فيها الحدود على الصغير والكبير، والشريف والوضيع، والعالي والحقير فهي علامة من علامات سلامتها، وإذا رأيت الأمة في محاباة: فلان يفعل وفلان لا يفعل وفلان يسجن وفلان لا يسجن وفلان يقام عليه الحد، وفلان لا يقام عليه الحد، وفلان تقع عليه العقوبة وفلان لا تقع عليه العقوبة وفلان عليه القانون وفلان لا قانون عليه، فهذه من علامات الهلاك ومن مؤشرات الهلاك.