للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين تكفير المعين وتكفير فاعل الفعل]

أيها الأحبة! فإذا علم ذلك وأيقنه المسلم، أدركنا ضلال وجهل بل ربما شرك المستغيثين والمستعينين بغير الله، والمتوسلين بغير الله، بل يقع أحدهم في هذا الشرك إن كان عالماً ويقع الكثير منهم بهذا، أو إعراضه عن العمل بالتوحيد بعد بلوغه، يحقق فيه الشرك.

وهنا مسألة أيها الأحبة! فربما رأيت مخلوقاً ضعيفاً عند قبر من القبور يدعو الله جل وعلا، فلا تعجل بتكفيره، ولا تعجل بإطلاق لفظ الشرك عليه، فهناك أحوال: فقد يكون ذلك السائل عند القبر يدعو الله جل وعلا ولا يدعو القبر، لكنه مبتدع باختيار مكان الدعاء عند القبر، واختيار زمان الدعاء في زمن معين بجوار القبر، فهذا مبتدع ومرتكب كبيرة، وفاسقٌ فسقاً عظيماً، لكن لا يكون مشركاً ولا يكون كافراً إلا إذا اعتقد أن الدعاء لصاحب هذا القبر أو أن الدعاء ببركة صاحب هذا القبر ينفع ويدفع الضر ويجلب الخير، وأنه بالبعد عنه لا يستجاب الدعاء فحينئذ يتحقق، ثم إننا أمة لم يطلب منا أن نكفر الناس بأعيانهم، فهناك كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فرق بين تكفير النوع والشخص المعين.

فتقول: كل من دعا غير الله فهو كافر، وكل من استعان واستغاث بغير الله فهو مشرك، ولكن إذا رأيت من يدعو عند القبر أو يتوسل، فقبل أن تقول وأن تشير وأن تحدد أن هذا فلان بن فلان بعينه وشخصه كافر لا بد أن تتثبت من ذلك، إذ قد يكون يدعو الله بجوار هذا القبر معتقداً أنه يدعو الله جل وعلا، ولا يدعو القبر لكنه مبتدع ضالٌ ضلالة كبيرة بالدعاء بجوار القبر، فهذا أمر لا يكفره ولا يخرجه من الملة، فواجبنا أن نتثبت، وواجبنا أن نحذر؛ لأن الفائدة العظمى والنصيحة الأولى هي لأنفسنا ولبيان خطر ذلك على أبنائنا ومجتمعاتنا وذرياتنا ومن حولنا، ويا خيبة أولئك الذين يتعلقون بغير الله! ويا ضلال أولئك الذين يستغيثون ويستعينون ويتوسلون بغير الله، أو بغير أسباب التوسل المشروعة! فـ الرافضة مثلاً يرددون في نشيدهم وحدائهم قائلين:

لي خمسة أطفي بهم نار الحطيم الحاطمة

المصطفى والمرتضى وابناهما والفاطمة

يرددون ما معناه: أن خمسة يرجون بهم أن ينجوا من النار ويكونون في الجنة:

لي خمسة أطفي بهم نار الحطيم الحاطمة

أي: نار جهنم.

الحاطمة: الملتهبة.

المصطفى: ويعنون به النبي صلى الله عليه وسلم.

والمرتضى: ويعنون به علي بن أبي طالب.

وابناهما: الحسن والحسين.

والفاطمة هي الخامسة.

أولئك يدفعون بهم عذاب الله ويدفعون بهم النار، كيف يفعلون ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كام أمره الله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:١٨٨].

فالله جل وعلا قد بين على لسان نبيه وجاء هذا في كتابه أن النبي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، بل يقول صلى الله عليه وسلم: إن هدايته ببركة ما أوحى الله إليه، فقال جل شأنه على لسان نبيه: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:٥٠] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لـ فاطمة: (يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئتِ لا أملك لك من الله شيئاً).

والله جل وعلا قد بين هذا الأمر لنبيه صلى الله عليه وسلم في مواقع كثيرة، فلو كان يملك من الأمر قليلاً أو كثيراً لما قال الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران:١٢٨]، وقال الله جل وعلا: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦]، وقال الله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:١١٣].

فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك لنفسه أو لذريته أو لمن يريد هدايته أو لمن يريد الاستغفار له، لو كان يملك في هذا قليلاً أو كثيراً، لنفعه ولم يرد في القرآن ما يدل على أن ذلك ليس له صلى الله عليه وسلم، فدلالة النبي دلالة الإرشاد، وأما دلالة الهداية والتوفيق فهي دلالة من عند الله جل وعلا.

وإذا نوقش بعض هؤلاء الضّلال، قالوا: إنا لا نعبد من نتوسل به، ولا نعبد من نستغيث به، ولا نعبد من نستعين به، وإنما نجعله بجانب الله، وذلك والله هو عين كفر الجاهلية الأولى الذين يقولون في الأصنام: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] إن مشركي قريش وكفار الجاهلية ما قالوا: إن اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى هم الذين خلقوا، وما قالوا هم الذين يميتون، بل قال الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥] ولكنهم يعتقدون شيئاً من بركة ونفع وشفاعة هذه الأصنام عند الله جل وعلا، ومع ذلك ما عصم ذلك دماءهم ولا أموالهم ولا أعراضهم من أن يقاتلوا وأن تسبى ذراريهم وأن تؤخذ أموالهم.

فإذا أدركت ذلك، تأمل قول الله جل وعلا: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:٢٢ - ٢٣]، وقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:٧٣] فضعفهم مع اجتماعهم كضعف الذبابة في هوانها وحقارتها.

فإذا تأملتم هذا يا عباد الله! كيف يتعلق مخلوق بمخلوق؟! كيف يتعلق بشر ببشر؟! كيف يتعلق ضعيف بضعيف؟! كيف يتعلق مسكين بمسكين؟! كيف يتعلق حقير بحقير؟! والله إن التعلق بالبشر هو غاية الضلالة والهوان، وأما الكريم الشريف العزيز في نفوسنا حبيبنا الطاهر المطهر نبينا صلى الله عليه وسلم فتعلقنا به هو بحبنا لشخصه صلى الله عليه وسلم، وتعلقنا به هو باتباعنا أمره حيث نهانا أن نعتقد في شخصه نفعاً وضراً بعد موته، وتعلقنا به أن نتبعه استجابة لما أمرنا به: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١] ومن أحب الله أحب نبيه صلى الله عليه وسلم لا محالة.