[المماطلة في أداء الحقوق]
المصيبة الثانية هي: أننا لا نصدق حينما نوفي الناس بحقوقهم، قد يقول البعض: كنا نظنك ستتكلم عن أفلام الفيديو، أو كنا نظنك ستتكلم عن محلات الأغاني، أو كنا نظنك ستتكلم عن التبرج والسفور، هذه من المصائب، لكن من أعظم المصائب ألا ينال الضعيف حقه إلا بعد إلحاحٍ شديد، وهذه من أخطر المصائب، عاملٌ عندك مستخدمٌ لديك، فقيرٌ بين يديك تماطله في حقه لأنك قوي، هذه مصيبة عظيمة، ولو كان الذي يواجهك قوياً لأعطيته الحق مرغماً أنفا، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن من أسباب الهلاك (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فاطمة أم الحسن والحسين، سيدة نساء أهل الجنة لو سرقت لقطع النبي صلى عليه وسلم يدها، والنبي حينما عبر بالسرقة لم يقصد ذات السرقة فحسب، بل أراد السرقة وأراد كل المعاملات التي لا ينتصف للمظلوم فيها، ولذلك فإن الظلم مرتعه وخيم، ودعوة المظلوم مستجابة.
فما من يدٍ إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم
تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
أحبتنا في الله: خذوها نصيحة لأنفسكم وناصحوا بها في جميع مجالات حياتكم من لزمه الحق فليؤده، من لزمه الحق فلا يماطل، ومن وجب الحق بذمته بصكٍ شرعي أو بتحاكمٍ إلى من يرضى حكمه فيهما هو في حكم الله جل وعلا، فليؤد الحق راغماً مذعناً ذليلاً لحكم الله جل وعلا، وبغير هذا فلا نجاة.
إن الأمم لا تعيش إلا بالعدل، وإذا لم تؤد الحقوق، فهذا ظلم والظلم مرتعه وخيم، وعاقبته أليمة {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] هل يكفي أن نذهب إلى المحكمة ونتحاكم؟ لا.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:٦٥] لا تنزعج ولا تحرج ولا تتغير يوم أن تمثل وأنت فلان بن فلان أمام القاضي مع المسكين الفقير المهين، لا تجد في نفسك حرجاً، وماذا بعد ذلك؟ أن تسمع فقط بعد الوصول إلى المحكمة؟ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ َ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] تسليماً، تسليماً، تسليماً، كررت بالمفعول المطلق الدال على منتهى الأداء والمتابعة والقيام والاستمرار في أداء الحق، وبغير هذا فلن يكونوا مؤمنين، وإن لم يكونوا مؤمنين، فلن يدافع الله عنهم، وإذا لم يدافع الله عنهم، فسوف يتسلط عليهم أعداؤهم، وإذا تسلط الأعداء برقبة مؤمنٍ أو مسلمٍ، فلا تسأل عن هلكته ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هاتان مصيبتان، والمصائب جمة، لكن ولست بهذا أحدد أرضاً بعينها أو بلاداً بعينها، بل أخاطب أمة الإسلام في شرقها وغربها، الربا والعدل في أداء الحقوق، يقول ابن تيمية: إن الله لينصر الحكومة الكافرة العادلة، ولا ينصر الأمة المسلمة الظالمة، هذه من أعظم المخاطر.
فيا عباد الله: نصيحة لمن تورط في الربا أن يقلع، وانصحوا من تعرفون، ومن تورط في حقوق الناس، فليتق الله، ولا يقل أعرف واحداً، أو لي واسطة، أو أتردد يمنةً ويسرة، أو لا يستطيع أحدٌ أن يلزمني بتنفيذ هذا الصك، أو الحكم، نستطيع أن نلزمك بهذا الشرطي الذي بين أضلاعك، بهذا الجندي الذي في قلبك، نلزمك بالإيمان الذي أنت تخضع وتدين لله به، فإن كنت مؤمناً فأذعن، إن كنت مسلماً فسلم، وإلا
فالدعاوى إن لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياءُ
دعاوى الإيمان، ودعاوى الانقياد، والإنسان إذا قيد وأمر بتطبيق حكم الله، قال: لا.
اشكني، فإذا شكوته، لم يصدر الحكم، فإذا صدر الحكم، اعترض، فإذا قطع بالحكم، نقض، فإذا صدق الحكم يمنة ويسرة وعبثاً والمسكين يبكي؛ لقمته، حقوقه، ماله، بضاعته، فلا يجد إلا باباً يطرقه وسط الليل بعد أن يهجع الناس ويطيب نوم الخاسرين، يدعو ربه: اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم غلبني بحوله، اللهم غلبني بقوله، اللهم غلبني بطوله، اللهم غلبني بقوته، أما أنا فلا حول لي ولا قوة ولا طول إلا أنت، يا حي يا قيوم، وحينئذٍ تنفتح أبوب السماء بالمدد طامة على قلب الظالم، ومصيبة على ماله وثروته وكل ما يملك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يجعلنا للحق مسلمين مذعنين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم لا تحجب دعاء المسلمين فيه، اللهم انصرنا، اللهم ثبتنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح جليسهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم قرب لهم من علمت فيه خيراً لهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم.
اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في جميع الأرض يا رب العالمين، اللهم انتقم للمسلمين من التاميل في سرلنكا، أقول هذا الدعاء وأقوله في الجمعة الماضية، لأنه وصلني مجموعة من الصور التي ذبح المسلمون فيها في سرلنكا، مذابح صفٌ كامل كله موتى، أكفانٌ مغطاة، وأناسٌ دماؤهم ترشق الجدران يرفسون متشحطين بالدماء، لا تزال المعركة على الإسلام قائمة، لا يزال المسلمون مستضعفين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلذلك ندعو لهم، اللهم فانتقم لهم من الهندوس، اللهم انتقم من جميع أعدائهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك هذا الشهر الكريم على توبة صادقة، اللهم بلغنا هذا الشهر الكريم على مغفرة منك لذنوبنا، وعفوٍ منك لسيئاتنا، وأعنا على صيامه وقيامه، واجعل لنا فيه أوفر الحظ والنصيب، اللهم اجعلنا ممن يصوم شهره، ويفوز بليلة قدره، ويستكمل أجره بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم بارك لنا فيما آتيتنا ولا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتا فجازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفرانا، اللهم وسع لهم في لحودهم، ونور قبورهم، وافتح لهم أبواباً إلى الجنان، واجمع شملنا بهم في عليين يا أرحم الرحمين.
اللهم اهدِ شبابنا، اللهم اهدِ شبابنا، اللهم بغض إلى نفوسهم الطرب واللهو، والمعازف وأدوات الشيطنة واللهو، وحبب إليهم الإيمان والدعوة والحكمة والمواعظ الحسنة، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، اللهم اهدِ بناتنا، وأصلح نساءنا، واهد زوجاتنا، وجنبهم الاختلاط والتبرج والسفور، اللهم جنبهم الاختلاط في الوظائف، وجنبهم الاختلاط في التعليم، ومن أراد بهم سوءاً فافضحه بين الخلائق، اللهم ما علمت في علمانيٍ سوءاً يدبر ويخطط للمسلمين سوءاً، اللهم افضحه على أشد خزية، وافضحه على أشد عار، وافضحه على أشد مصيبة، حتى يفطن المسلمون لشره يا من لا تخفاه خافية.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.