للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن عمره فيمَ أفناه؟

أيها الأحبة! قولوا للشباب: إننا جميعاً سوف نحشر بين يدي الله عز وجل ولن يمر أحدٌ إلا وسوف يسأل: (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي.

الوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع

(لن تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟) أذكر من سنين طويلة من قرابة سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة حينما كنت صغيراً، أن رجلاً كان يزور أحد أقاربي، والذي كان يشد انتباهي أن هذا الرجل على كبر سنه، كان مشجعاً متعصباً يموت في الهلال، ويصبح على الهلال ويسره ما يسر الهلال ويسوءه ما يسوء الهلال وكأنما هو على حد قول القائل:

وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد

هناك من يقول: الهلال على عيني ورأسي، وأقول: لو يصبون له زنجبيل وبما أن الزنجبيل أصفر والنصراوية أصفر لا يشرب أبداً، والعجيب قبل شهرين أو ثلاثة كنت في مناسبة زواج، فقابلت الرجل وإذ بالرجل قد كبرت به السن وسألت واحداً قلت: فلان أهو صاحبنا الذي كان هلالياً حتى الموت؟ قال: هو هو، قلت: ولعله إن شاء الله بعد هذه السنين الطويلة قد أفاق، وعلم أن هذه الأندية كلها بل المنتخب لن يدخله الجنة ولن يخرجه من النار، ولن يشتري له بيتاً إن كان ما عنده بيت، ولن يدفع له ضماناً إن كان ما له ضمان، ولن يعطيه شيئاً إذا عجز عن امتلاك المال، هل لا يزال الرجل على طبيعته وسجيته تلك؟ قال: بل وأشد، هذا عمره أفناه في الصحافة الرياضية، من الذي راح؟ وما الذي حصل؟ ومن الذي جاء؟ ومن الذي ذهب؟ ومن الذي عزل؟ ومن الذي فعل؟ ومن الذي قدم وأي عقدٍ حصل وأي؟ بالله يا مسكين! عمرك أفنيته في هذه الرياضة فهل ستنفعك عند الله عز وجل؟! وآخر عمره أفناه في السامري، فما يسمع بضربة طارٍ عند جمرٍ من النار إلا جاء وطبلته معه يسخنها قبل أن يستنزل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأناس قد بلغوا من الكبر عتياً ومنذ شبيبتهم إلى هذا اليوم وهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- مشغولون والله في هذه البلوة، قولوا: الحمد الله الذي عافنا مما أبتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا، لا تظنوا أن هذا ضرب من الخيال بل هو موجود عند طائفة من الناس، وبعضهم أفنى عمره في عرضات وسامر، وبعضهم أفنى عمره في فنٍ وطرب، وبعضهم أفنى عمره في بداية المسلسلات مع الممثل القدير، وأي قدير؟! الممثلة القديرة، وأي قديرة؟! عمرٌ مضى في اللهو، والغفلة، ومقارفة المنكرات، ومخالطة النساء، والخلوة بغير المحرمات، وأمور ومصائب لا ترضي الله عز وجل، هذا أسألكم بالله إذا سأله ربه عن عمره فيم أفناه ماذا يقول؟ لعل فينا من يستيقظ، لعل بشبابنا من يتذكر إذا سأله أو سئل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، وأفني ما بقي من العمر سواء كان شاباً في العشرين أو أقل أو الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين أفنيت عمري في طاعة الله والدعوة إلى الله، وشهود المساجد، وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام، وفي التجارة الرابحة، والتجارة الحلال، والبيع والشراء، وطلب المعيشة، والاستثمار المباح فيجوز للإنسان أن يشتغل بهذا ويتشرف به، لكن هذا الذي أفنى عمره في هذه المسائل -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فوا خجلة الحال إن كان الإنسان يجيب بذلك! أيها الأحبة! إن كثيراً من الشباب تضيع أوقاتهم، ونحن حينما نتكلم عن الوقت لا نقول: إن الواجب ألا يجعل الإنسان لنفسه أو لأصحابه أو لأقاربه أو لأحبابه أو لأهله أياماً أو أوقاتاً أو ساعات يمرح ويتنزه ويخرج للبرية ويتسفر ويتنقل ويتمشى ويتمتع بما أباح الله، نحن لا نقول: حرم على نفسك هذه المتع الطيبة، لكن نقول: الحذر من أن ينقضي أو تنقضي سحابة العمر في معصية الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله، تضيع هذه الأوقات على كثيرٍ من الناس وبعضهم معروفون ومشهورون، في ليالي الشتاء البلوت ساخن، وفي ليالي الصيف البلوت ساخن، لو جمعت ساعات البلوت من عمره لوجدتها أخذت جزءاً لا بأس به من عمره، فهذا إذا سئل يوم القيامة عن العمر قال: قضيت جزءاً من العمر في النوم وجزءاً في البلوت، وجزءاً في الغدو والرواح والذهاب والإياب، فلم يبق للعبادة والطاعة إلا أقل القليل من الساعات والدقائق ولا حول ولا قوة إلا بالله! كان العلماء يتمنون زيادة الوقت مع عنايتهم وحرصهم على أوقاتهم، كان علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله في دمشق إذا مر على الناس وهم جالسون على المقاهي، قال: آه لو أن الأوقات تباع وتشترى؛ لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم.

عنده مشاريع سوف يملأ بها أوقات هؤلاء لو اشترى منهم، لكن كثيراً من شبابنا اليوم يملون من الوقت إذا أصبح قال: أخ! متى يأتي الغداء نأكل ونرتاح؟ وإذا تغدوا جاء الظهر متى يأتي العصر نطلع نشم هواء؟ وإذا انتهى اللف في السيارة قال: متى يأتي الليل نسمر وننبسط، وإذا انتهى وقت السمر والسواليف والخبال قال: متى يأتي وقت النوم نرتاح، متى يأتي هذا ومتى يأتي هذا:

وحلفت ألا أبتديك مودعاً حتى أهيئ موعداً للقائي

أودع هذا لأستقبل هذا وتلك والله مأساة يضيع فيها كثير من أوقات شبابنا.

أيها الأحبة! نريد وقفة تأمل وتدبر لما نعيشه ويعيشه كثيرٌ من شبابنا؛ من إضاعةٍ للأوقات، وتبذير للأعمار إلى حدٍ جاوز السفه.