للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[عزة النفس]

أيها الأحبة في الله: إن المؤمنين يتزينون دائماً ويعتزون بزينة التعفف والقناعة، والرضا بقدر الله، أولئك لا يذلون لأحد {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:٢٧٣] إن الوصول إلى مرحلة التعفف أمرٌ يحتاج إلى رصيدٍ كبيرٍ من الصبر والتجمل والتحمل لكل الظروف القاسية دون ضراعةٍ لأحدٍ إلا الله، وهكذا كان خيار خلق الله بعد أنبيائه كانوا على هذه الشاكلة؛ كانوا يعلمون أن عزة النفس لا يمكن أن تكون إلا بالتعفف عما في أيدي الناس، والتعفف عن الحاجة لهم قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغنائه عن الناس) أما الذين يظنون أن عزة النفوس لا تأتي إلا بعد شبع البطون وامتلاء الجيوب، فالغني عندهم هو الذي يملك أن يكون عزيزاً، وأما الفقير فهم يرونه ذليلاً خاضعاً ولا ينبغي له إلا أن يذل ويخضع في نظرهم، وفشت هذه المفاهيم في كثيرٍ من المجتمعات المعاصرة إلا من رحم الله، وفشا معها عند بعض الأغنياء الطغيان والتكبر، كما فشا معها عند بعض الفقراء الخلوع والمداهنة والتملق والنفاق، هؤلاء والله لا يعرفون إلى العزة سبيلاً.

إن اعتزازك بالله يجعلك أن تقدم حكمه وقرآنه وشرعه ودينه وأمر نبيه على كل القوانين، وعلى كل الشهوات وعلى كل الأهواء وعلى كل شيء، فلا ترضى بذلك بديلاً، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥] {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠].

أيها الأحبة في الله: إن أي إنسان يتنازل عن دينه ومنهج ربه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم في مجالات الحياة، فإنه ينال الذلة في المجالات كلها، وأي مجالٍ فقدت فيه الاتباع والخضوع والانقياد لله ولرسوله فإنك تنال ذلةً في هذا المجال، فهو مكيال إن وفيت بالأداء والاتباع وفيت لك العزة، وإن طففت في الاتباع والانقياد حرمت من العزة ووقعت في الذلة بقدر ما غيرت وبدلت.

هذا ما تيسر جمعه في عجالةٍ قصيرةٍ حول هذا الموضوع، وإني لأعلم أن في القوم من هم بالمقال أعلم من القائل، وبالكلام أعرف من المتكلم، وفي الزوايا خبايا، وإن بني عمك فيهم رماح

وأيم الله ما نسب المعلى إلى كرمٍ وفي الدنيا كريم

ولكن البلاد إذا اضمحلت وصوَّح نبتها رعي الهشيم

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أهل العزة والكرامة في الدنيا والآخرة، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين، وأصلح اللهم ولاة أمورنا أجمعين، اللهم اهد ولاة أمورنا واجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تفرّح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً يا حي يا قيوم، اللهم صل على محمدٍ وآله وصحبه.