للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الله يغفر الذنوب جميعاً

السؤال

امرأة استزلها الشيطان وفعلت كل شيء من أفعال الرذيلة والكبائر، وتقول: هل يقبل الله توبتي على ما كان من عملي؟ وهل من المعقول أن أكون امرأة صالحة أم لا؟

الجواب

أسأل الله عز وجل بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم أن يستر على أختنا هذه، وعلينا وعليكم جميعاً، وفي الحديث (إن الله ستير يحب الستر) والستر من العبادات التي غفل عنها كثير من الناس، وفي الحديث: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قيل: ومن المجاهرون يا رسول الله؟ قال: الذي يمسي يعصي الله فيستره الله، فيصبح يهتك ستر الله عليه، يقول: فعلت البارحة كذا، وفعلت البارحة كذا).

فإلى أختنا هذه بعد الدعاء لها بالستر والتوفيق وقبول التوبة والإنابة، نقول: استري على نفسك ولا تحدثي أحداً ولا تخبري أحداً أبدا، هذا أولاً.

الشيء الثاني: يقول الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] فينبغي لمن أذنب ذنباً أن يجتهد في كثرة الحسنات الماحية للسيئات، وفي الحديث (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

فإلى أختنا هذه نبشرك بإذن الله رجاءً فيما عند الله، وتصديقاً بوعد الله، أن التوبة تُقبل بمنّ من الله وكرم، وإياك أن يُوسوس لك الشيطان أن التوبة لن تُقبل، وأن ذلك مما يردك عن المضي في الاستقامة؛ لأن الشيطان يأتي يقول: وهل بعد الذي حصل في مكان كذا وليلة كذا وساعة كذا وحفلة كذا وسهرة كذا ترجين قبول توبة، الشيطان يعظم الأمر، ويجعل التوبة بعيدة المنال، وهذا من الخطأ، بل أحسنوا الظن بالله، وتعلقوا بالله، وتوكلوا على الله، وأبشروا بخير عظيم من الله، فإن الله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدنا أظل راحلته في فلاة (مفازة جرداء مهلكة) فلم يجدها عنده، فأيقن بالهلاك، ثم توسد يده ينتظر الموت، فلما أفاق إذ بناقته تحرك يده بخطامها أو بشفتها، أفاق فوجد الناقة بعد أن تيقن الموت، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح، الله أشد فرحاً من فرحة هذا بوجود ناقته التي عليها الماء والشراب بعد أن أيقن الهلاك.

فيا أحبابنا أحسنوا الظن بالله، وبشروا الناس ولا تنفروهم، وقربوهم إلى الله عز وجل، فإن الله يمهل عباده، يخبرني أحد الشباب، قال: كنت رجلاً عسكرياً في نقطة من النقط، وكان معي شاب في هذه النقطة، وكان سكيراً عربيداً فاجراً ما ترك شاذة ولا فاذة ولا حاجة ولا داجة من السيئات والكبائر والفواحش إلا فعلها، قال: والله سمعته ذات يوم يتجرأ على الله بكلام، وناقل الكفر لا يكفر؛ لأن الله قال في القرآن ما قالته اليهود: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:٦٤] يقول هذا الشاب عن صديقه، قال: والله لما نزل المطر نام ربي ففتحت الملائكة البزابيز، تعالى الله عما يقول علواً عظيماً، قال: فكنت أنتفض وأرتجف وأبتعد بعيداً، قلت: الآن تنزل صاعقة من عذاب، أو شيء يهلكني وإياه فقط لأني وقفت بجواره.

قال: فما زلت أتحاشى مجلسه، وأتحاشى القرب منه، قال: ثم تدور الأيام، فإذا بي أراه شاباً تائباً منيباً منكسراً؛ تواباً بكاءً، قد أطلق لحيته، واجتهد في طلب العلم، وعمل الصالحات، وترك كل ما مضى.

فيا أحبابي! بشروا الناس، فالله عز وجل يقبل التوبة، وأعيونهم على الرجوع، ولا تنفروا، ولا يتألى أحد على الله، ليقول: فلان لا يهديه الله أبداً، لا، هذا تألٍّ على الله.

بل اسألوا الله السلامة من أقوال المغترين، ومن أقوال المجترئين، ومن أقوال الغافلين، واسألوا الله الهداية لجميع المسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا للكفار، قال: (اللهم اهد دوساً وائت بهم) وقال: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين) وقال: (اللهم اهد أم أبي هريرة).

فالدعاء للكافر بالهداية مشروع؛ فما بالك بالفاجر والفاسق، فتحببوا وتدوددوا وتقربوا إلى الناس، وخذوا منهم حسناتهم، وأعينوهم على ترك سيئاتهم تكونوا بإذن الله من أسباب استقامتهم.