للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سهيل بن عمرو خطيب في الجاهلية والإسلام]

وقصةٌ أخرى مما يدلك على أن الناس في أقرب الأحوال إلى دينهم لو وجدوا ما يحركهم: جاء سهيل بن عمرو مندوب قريش يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في صُلح الحديبية، فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب باسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم إلا رحمان اليمامة، فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم، ثم قال: اكتب من محمدٍ رسول الله، قال: لو شهدنا أنك رسول الله ما قاتلناك، قال: فاكتب من محمد بن عبد الله، ثم أملى الشروط التي من أهمها: أن من خرج من المسلمين من مكة إلى المدينة يرده الصحابة إلى مكة.

الحاصل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان واقفاً فاشتد غضبه وغلا غيظه، فقال: يا رسول الله! ألسنا المؤمنين؟ قال: نعم، قال: أليسوا بالكافرين؟ قال: نعم، قال: فعلامَ نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله؟! أفلا تدعني أخلع ثنية هذا الكافر وكان سهيل بن عمرو خطيباً مصقعاً إذا تكلم في قريش سمعت وتأثرت بكلامه، فقال عمر: أفلا تدعني أخلع ثنيتيه ليكون أثرماً، فلا يكون بلاغة الخطاب والكلام منه كما يريد، فقال صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يُريك منه يا عمر موقفاً يُعز الله به الإسلام وأهله) فعجب عمر من هذا الكلام أي موقفٍ بعد هذه المفاوضة، وما هي إلا سنين قليلة ثم يموت صلى الله عليه وسلم، فترتد قبائل العرب وتهم قريش بالردة، فيقوم سهيل بن عمرو بعد أن أسلم وقال: يا معشر قريش! أما تستحوا أن تكونوا آخر من أسلم وأول من يرتد، فخجل القوم على نفوسهم وكانت كلمته مؤثرةً في قريش، وتذكر عمر رضي الله عنه مقالة النبي صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يريك منه موقفاً أو يوماً يعز الله به الإسلام) هذا فيما يتعلق بالقديم.