للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف اخترقت الشبهات صفوف المسلمين]

الحق أن أهل الإسلام -ومنهم الشباب على وجه الخصوص- لم يؤتوا ولم تتسور جدرانهم ولم تخترق بيوتهم إلا من طريق استطاع أعداء الله إحسان استعمالها، وهي: ما يورده الأعداء من التشكيك، ومحاولة هز ثقة الشباب بدينه ومعتقده، ومحاولة فتنته عن دينه عقدياً وفكرياً.

وهذه القضية يجيئون عليها بوسائلهم المتعددة، ويسوقونها فتن تلو الفتن وشبهات تلو الشبهات، ويؤمها أذناب الغرب وأذيال الاستعمار من أهل العلمنة والحداثة والتفرنج الذين هم للفساد دعاة.

ولعل هذه الحرب؛ حرب الشبهات الحرب الجهرية تتمحور في الآتي: لاحظوا وتأملوا الكلام الكثير حول الدعوة إلى زمالة الأديان، وتقارب الأديان، وتحاور الأديان، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صفحة من التوراة تغير وجهه وقال: (يا بن الخطاب أومتهوكون فيها وأنا بين أظهركم، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني).

وإن الله عز وجل قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] فالذين يكتبون عبر بعض الصحف، أو يتكلمون عبر بعض القنوات، أو يطنطنون في بعض الإذاعات بالمقولة التي أول من أثارها وشب أوارها وأشعل فتيلها طائفة من المستشرقين، وتبعهم بعض الأذناب حول قضية تزامل وتقارب وتجمع الأديان، تلك مصيبة من أعظم المصائب.

كان الناس فيما مضى إذا رأوا كافراً استحضروا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:٢٨] فيرون نجاسة متحركة، لئن كانت النجاسة يؤنف منها وهي رابضة قابعة منزوية فإن قلوب المسلمين فيما مضى كانت مليئة بالولاء للمؤمنين مليئة بالبراء من الكافرين، فإذا رأوا كافراً رأوه عذرة ونجاسة متحركة إلا من ندر فيمن لم يؤذ مسلماً ولم يخطط لتدميره وإيذائه، فذاك إن عاملوه عومل بنية دعوته، ونية إصلاحه، ونية تأليف قلبه، لا بنية حبه أو الثقة بما عنده.

أما الآن وفي ظل هذه الدعوة التي كما قال الأول: "اكذب الكذبة ثم رددها مائة مرة يصدقها الناس ويرددونها آلاف المرات" في ظل هذه الدعوة الخطرة أصبح كثير من الشباب يسأل ويحاور ويناقش أليس اليهود إخواننا؟ أليس النصارى إخواننا؟ ألسنا جميعاً أهل كتاب؟ لماذا هذه العداوة؟ لماذا هذه الفرقة؟ لماذا هذا الانفصام؟ لماذا لا نعيش في ظل السماء وفوق سطح الأرض على حب ووئام؟ وهكذا يقول من يقول: لم لا يحتضن الهلال الصليب؟ لما لا تمتد الأيادي بالمصافحة؟ لم ولم ولم؟؟!! والله لو قيلت الكلمات البراقة والجمل القشيبة ليل نهار فإننا متمثلون قول الله عز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:١٠٩]، {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:١٠٥]، {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة:٢١٧]، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء} [النساء:٨٩].

مهما قلنا عن تقارب وتزامن وتحاور الأديان فإن مسألة الولاء يجب أن تبقى يقظة حية في النفوس، لأننا إذا أضعفنا المناعة تجاه الكفار، ويقابل ذلك الهوة التي تزداد توسعاً في شأن الولاء مع المؤمنين والمسلمين؛ أصبحنا بذلك لا يهمنا كثيراً ما يحل بالمسلمين، ولا يؤذينا ما يفعله الكافرون، وذلك عين التبلد، ومنتهى الجمود، وغاية ما يتمناه الأعداء.

إن أعداء الإسلام لا يمنعونكم من أن تدفنوا قتلاكم، وتداووا جرحاكم، وتسقوا الظمأى والعطشى، وتطعموا الجياع، وتكسوا العراة، لا بأس أن يكون دوركم يمتد إلى هذه الدرجة، أما أن يكون دوركم ابتدائياً إيجابيا فاعلاً لا رد فاعل؛ فإن ذلك أمر يأباه أعداء الإسلام، فماذا نقول إذاً في شأن أمة الإسلام وفي شأن المسلمين إذا كان مبدأ الولاء أخذ يضعف في ظل الدعوة إلى الزمالة والتقارب وغير ذلك؟! إن هذه القنوات الفضائية التي تُصدِّر كثيراً من هذه الأفكار الخطرة والتي يجهل كثير من الناس خطرها على نفسه وعلى أهل بيته لتصب سماً زعافاً من هذا القبيل فمن الذي يَحذر؟ ومن الذي ينتبه؟ ومن الذي يدرك أن وراء الأكمة ما رواءها؟ البعض يعجبه حوار ورأي ورأي آخر واتجاه معاكس، ولا يعلم أن وراء القضية مخابرات يهودية، ولا يعلم أن وراء القضية من يسعى لصياغة العقل العربي والفكر المسلم حتى يعيش في ظل هذه الحوارات وفي ظل هذه الخيارات لا أن يستقل بنظر مستقل؛ ليس بالضرورة أن يوافق هذا أو يوافق هذا.

إننا نخشى أن نفقد الاستقلال بالرأي، وأن نتحول إلى حرية في ظل خيار محدود، فليست حرية مطلقة بل هي حرية في ظل خيار بين أمرين، أما أن تختار ثالثاً فذلك هو الذي لا يريده لك مقدم هذه القضية، أو الذي يحيلها أو يدير حوارها.