للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الجلوس في حلق الذكر]

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:٣٣].

معاشر المؤمنين! جئت إليكم وأنا أحمل في قلبي مشاعر المودة والمحبة، نبضات الفؤاد تحبكم يا أهل الأحساء وخفقات القلب تشكركم وتذكركم دائماً بما أنتم أهله، وإني قادم وملتقِ بأحبتي في الله في هذا المكان وأنا على يقين أن في الزوايا خبايا، "وأن بني عمك فيهم رماح" وأن في القوم من هم أعلم بالمقال من القائل، وأعلم بفقه الحديث من المتحدث، ولكن حسبنا وإياكم أن نجتمع في روضة من رياض الجنة، فتحفنا الملائكة، وتغشانا السكينة، وتتنزل علينا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده، هذا الأجر لا يكون إلا في مثل هذه اللقاءات: (ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه).

وفي الطريق إليكم ونحن نتجاذب أطراف الكلام مع صحبة كرام، قال بعض الإخوة: لو أن الواحد جعل الوقت في قناة فضائية ليلقي محاضرة أو ليقدم برنامجاً أفلا يكون هذا أولى وهو يخاطب عبر القناة ملايين البشر؟ وربما اختصر من الوقت والجهد ما اختصر، فرد أحد الإخوة جزاه الله خيرا قائلاً: ولكن الملائكة لا تتنزل على القنوات الفضائية، ولا تغشاها السكينة ولا تتنزل عليها الرحمة، نعم يؤجر من جاهد فيها، فهو في مضمار جهاد، وفي ميدان دعوة {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:٣٣].

ومن هنا نعلم أن مثل هذه اللقاءات ومهما ضربت لأجلها أكباد الإبل، وقطعت لأجلها الصحاري والقفار فليس بكثير على أن يفوز أو على أن نفوز جميعاً بمن الله وكرمه وجوده بدعوة من الملائكة ومغفرة من الرب عز وجل، ونحن في سبيل الاستماع لا لغرض ولا غاية ولا قسط من أمور الدنيا قاطبة، وإنما غايتنا وقسطنا أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكفر سيئاتنا، وأن يرفع الله درجاتنا، اللهم ذلك ما نتمنى فنسألك اللهم ألا ترد دعاءنا وألا تخيب رجاءنا.

أحبتي في الله:

والعين تعرف من عيني محدثها إن كان من حزبها أم من أعاديها

وأهل الأحساء بينهم وبين قلبي صلة، وبينهم وبين فؤادي مودة، ولا غرو ولا عجب وإن كنت مقصراً في الزيارة، إلا أن العهد لو طال، والبعد لو اتصل، فإن الحنين داعٍ إلى معاودة اللقاء، وحسبنا أنا قد أمهلنا، وأمد الله في أعمارنا، حتى التقينا مرة أخرى، ونسأله ألا يكون آخر العهد بكم، ونسأله سبحانه أن يمنحنا من جوده وبركاته وفضله ما يمن به علينا من اللقاء مرات وكرات في هذا المكان وفي غيره مما يرضيه سبحانه وتعالى.