للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعوة إلى الله: مفهومها وأهميتها]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى، فهي سبيل النجاة لأولى القلوب السليمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين! لا يخافكم أن دعوة عباد الله إلى طاعة الله من أجَلِّ الأعمال وأفضل القربات، كيف لا وهي وظيفة الأنبياء، ومهمة الرسل، وديدن العلماء، وميراث ورثه الدعاة، دعوة عباد الله إلى طاعة الله، ذلكم الجواب الذي تحدث به الصحابي الجليل حينما قابل قائد الفرس، وقال ذلك القائد: ألم تكونوا جياعاً، فكنا نعطيكم كل عام ميرة أصواعاً من بر أو شعير فتكفيكم، فما الذي جاء بكم؟ فقال الصحابي الجليل: [جئنا إليكم لنخرج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها].

أيها الأحبة! الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى النور وهجر للظلمة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى العلم وقطيعة للجهالة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى الاجتماع وتحذير من الفرقة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى العمل وتطليق للبطالة.

الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى التعاون وهجر للأثرة والأنانية.

كيف لا وهي تدور في محورها على عبادة الله جل وعلا، وعبادة الله سبحانه وتعالى محققة لكل خير طاردة لكل شر.

أيها الأحبة! يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] ويقول جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] ففي هذا خطاب يوجه الطاقات إلى أن توظف في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويرسم لها طريق الدعوة وسبيلها ووسائلها، ويبين فضلها، وجليل منزلتها {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:١٢٥] وبدأ بالحكمة قبل الموعظة، والموعظة مشتملة على العلم والبصيرة، لأن الاختيار والتوقيت، ومعرفة السبيل، وكيفية التطبيق والأداء أمر مهم جداً، الحكمة: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، الحكمة: وضع الأمر في نصابه وفي موضعه، وعلى السبيل والطريقة التي تضمن بإذن الله نجاحه.

فاختيار الوسيلة أمر مهم لا يغني عن وجود العلم، ووجود العلم لا يغني عن الحكمة والوسيلة، وكل أمر من الأمور لا بد فيه من صحة الوسيلة وصحة النية كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: كل أمر من الأمور لا بد فيه من صحة المقاصد، وصحة الوسائل، وإن صحة الوسائل لا تعفي ولا تغني عن صلاح المقاصد، وإن صلاح المقاصد، لا يغني ولا يعفي من صحة الوسائل.

وهذا أمر جلي واضح حتى في أبسط الأمور وأيسرها، فمن أراد ونوى وقصد السفر، فإن قصده السفر لا يغنيه عن تحديد وسيلته المناسبة، ومن اختار وسيلة مناسبة في السفر دون تحديد للوجهة والمقصد، فهو ضائع هائم على وجهه.

يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة) ويقول صلى الله عليه وسلم لـ علي، والخطاب لعموم الأمة: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمُرِ النعم).

أيها الأحبة! لن نطيل في بيان فضل الدعوة، وأهميتها، ومكانتها، ومنزلتها، فهي أمر واجب وجوباً عينياً لا تبرأ ذمة الحاكم والمحكوم إلا بالقيام به، لا تبرأ ذمة الراعي والرعية إلا بأدائه، لا تبرأ ذمة الرئيس والمرؤوس إلا بالعمل له والدعوة إليه، وتيسير سبله، وفتح أبوابه، وتنويع مجالاته، الدعوة إلى الله أمر مهم وخطير وجليل وكبير ينبغي أن يلج كل مجال، وأن يدخل كل مضمار، وأن يحل في كل مساحة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١٠٤] وواجب الدعوة واجبان: واجب يتعلق بولي الأمر ومن عينه ولي الأمر مسئولاً محاسباً متابعاً منظماً معداً لأمر الدعوة إلى الله.

وجانب آخر من الدعوة يتعلق بكل فرد، يتعلق بالذكر والأنثى، والفتى والفتاة، والرجل والمرأة، قال ربنا جل وعلا: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:٤١].

فهذا دليل صريح على أن شقاً وجزءًا وجانباً عظيماً من الدعوة يتحكم في الحاكم وأجهزته وكل دواوينه المتعلقة بهذه المهمة، يتحملون فيها عبء وشرف التكليف في هذا السبيل، ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:٧١] فهذا دليل أيضاً على أن واجب الدعوة لا يقتصر في وجوبه ومسئوليته والمحاسبة عنه على الحاكم وأجهزته، بل يتعدى الوجوب إلى سائر الأمة، فكل مؤمن وكل مؤمنة مسئول عن الدعوة سبحانه وتعالى.

وهذان الدليلان على سبيل المثال لا الحصر، لأن الأدلة من القرآن والسنة متواترة متضافرة مشتهرة على توزيع هذه المسئولية.

ألا وهي مسئولية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.