للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آخر أهل النار خروجاً منها رجل يمشي مرة ويكبو مرة

ولكن أيها الأحبة! هؤلاء الذين خرجوا من النار ودخلوا الجنة، ما بال آخرهم خروجاً من النار ودخولاً الجنة؟! ما بال آخرهم خروجاً من هذا العذاب ودخولاً في بداية النعيم؟! أتراه يظن أنه بقي له من النعيم شيء؟! انظروا إلى حال عبدٍ من عباد الله في هذا الحديث الصحيح الطويل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (آخر من يدخل الجنة رجل يمشي مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها -ذلك العبد الذي خرج من النار يمشي ويكبو ويسقط ويقوم- يلتفت إلى النار بعد أن جاوزها ويقول: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين) يظن أن أنعم النعيم هو نجاته وسلامته من النار قال: (فترفع له شجرة فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب ويعاهد العبد ربه ألا يسأل الله غير البلوغ إلى هذه الشجرة، قال: وربه عز وجل يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه الله من هذه الشجرة، فيستظل ذلك العبد بظلها، ويشرب من مائها.

فإذا استقر فيها رفعت له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول العبد: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأشرب من مائها ولأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول الله جل وعلا: يا ابن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟! فيقول الجبار جل وعلا: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيقوم العبد يعاهد ربه ألا يسأله غيرها، وربه تعالى يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه الله منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها.

ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة -كل هذه الأماني كل هذه الطيبات قبل وصول باب الجنة- وهي أحسن من الأوليين فيقول العبد: أي رب! أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها يا رب! فيقول الله: يا ابن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب لا أسألك غيرها وربنا عز وجل يعذره؛ لأن ذلك العبد يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه الله منها؛ فإذا أدناه الله من هذه الشجرة سمع أصوات أهل الجنة فيقول العبد: يا رب! أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم! وما الذي يرضيك أو يقطع مسألتك يا عبد! أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال العبد: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟! فضحك ابن مسعود رضي الله عنه فقال ابن مسعود: ألا تسألونني مم ضحكت؟ فقالوا: مم ضحكت؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! فيقول: إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر) أخرجه الإمام مسلم.

أيها الأحبة! الجنة نعيمٌ وخلودٌ وبقاءٌ لا فناء بعده: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:١٠٧ - ١٠٨].

وفي الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه) رواه الإمام مسلم في صحيحه.