للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر إهمال تربية الأبناء]

أحبتي في الله: لما أهمل الأولاد وضيعت حقوقهم؛ ضاقت السجون بمن فيها، وسائلوا دور الأحداث والإصلاحيات، يأتكم إخوانكم فيها بالخبر اليقين، ويصورون لكم حالة الضياع والمتاهات التي يتخبط فيها كثيرٌ من الشباب والأحداث اليوم، بل تصفحوا أرقام وإحصائيات ما يسمى بجنح الأحداث، تجدون من الأمر عجبا، بل ما نجده في أسواقنا وشوارعنا ومفارق طرقنا من هيئاتٍ عجيبة، وبزاتٍ مقززة، وقصات غريبة، وتسكع ومطاردة للنساء، وإغواء للأحداث ما هو إلا أن التربية والرعاية وأمانة الأبناء قد أهملت عند كثير من الآباء إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هم.

اليوم تصفحت أوراقاً فإذا بي أجد قصة ولدٍ حدثٍ عمره ستة عشر عاماً يقتل ولداً آخر عمره خمسة عشر عاماً طعناً بالسكين، ولعل الشيخ -حفظه الله- ممن عملوا أو لا زالوا يعملون الآن في ما يسمى بإصلاحيات أو دور الأحداث، وقد ذكر لي شيئاً وذكر لي بعض زملائه الفضلاء من أمثاله أشياء يشيب لهولها الولدان، أطفال صغار تربوا تربية بين الآباء والأمهات إلا أنهم تخرجوا ذئاباً مفترسة ووحوشاً كاسرة وهم في بيوتٍ قد امتلأت بالذرية والآباء والأمهات والأبناء والبنات، والسبب الإهمال، وللأسف فبعض الآباء يعلم ولده كيف يكون شرساً، وكيف يكون ظالماً، وكيف يكون معتدياً يقول لابنه: افطن، انتبه لا يأكلوك، خذ منهم ولا تعطهم، اسرقهم لا يسرقوك، هذا من الجهل، هذه من الحماقات ومن عادات الجاهلية التي تعود أصحابها النصب وقطع الطرق واللصوصية.

رجل يخبرني يقول: تركت بيتي ورحلت عن الحي الذي كنت أسكنه بسبب أن الدراجة التي تخص ولدي سرقها ولد الجيران، قال: فذهبنا إليهم نريد أن نأخذها، قال: فخرج علينا والده فحييته وسلمت عليه وقلت: أنا جارك فلان ولدي يقول: إن دراجته أخذها ولدك، فاستدعى ولده قال: دراجة فلان عندك قال: نعم.

قال: هل تردها له؟! -يشاوره سبحان الله العلي العظيم! هل يحتاج رد المظلمة ورد المال المغصوب إلى مشاورة؟ - وأقبح من ذلك أنه قال له: إذا تريد أن تعطيه فبكيفك! لا يجوز أن نربي أولادنا على هذه العادات القبيحة السيئة، والبعض هو الذي شجع ولده على السطو والجريمة وعلى الاعتداء بحجة: أريده فحلاً رجلاً أعوده الرجولة، ويمكن أن يتعلم الرجولة بدون أن يتعلم الظلم، يمكن أن يتعلم قوة الشخصية دون أن يتعلم الكذب والخيانة، يمكن أن يتعلم الثقة بالنفس دون أن يتعلم اللؤم وخسة الطباع، لكن للأسف بعض الآباء هداهم الله لا يزال في جاهلية جهلاء.

وبعض الآباء لا يبالون هل الولد في خير أم في شر؟ ربما منَّ الله على ولده بصحبة صالحة انتشلوا ولده فليس بجهده ولا بجهد أمه ولا أخواله ولا أعمامه، بل بفضل الله ثم فضل جلساء طيبين صالحين، في مكتبة المسجد، أو في جمعية المدرسة، أو في المعهد، التفوا حول هذا الولد وانتشلوه، فتجد في البيت الواحد أبناء صالحين، وأبناء فجاراً ضالين ولا حول ولا قوة إلا بالله! والسبب لا يعود إلى الآباء والأمهات بصلة، بل عائدٌ أول شيء إلى هؤلاء الذين أحاطوا به، وبعضهم أحاط بهم أهل السوء فأصبح سيئاً، وبعضهم أحاط به أهل الضلالة فأصبح ضالا.