للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدالة الآمر والناهي]

وهذه مسألة ذكرها الفقهاء وتعرضوا لها في كتب الفقه وفي كتب الحسبة، وهي هل يشترط عدالة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؟ أعني: هل يشترط أن يكون عدلاً صالحاً عالماً مستقيماً، سليماً خالياً من الصغائر والكبائر؟ هذه مسألة خلافية، ورجح أغلب أهل العلم أنه لا يشترط العدالة التامة، وإنما يشترط العدالة العامة وذلك بالسلامة من فواحش المنكرات وكبار المعاصي، أما الصغائر فلا يسلم منها أحد، ولذلك فإن الإنسان حينما يحجه الشيطان ويقول له: أنت تفوتك صلاة الفجر أحياناً، كيف تأمر الناس بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فتترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيكون عليك ذنبان، ترك الصلاة جماعة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقول الحسن البصري: [ود الشيطان منا أن نقع في المنكر وألا نأتمر بالمعروف ولا نتناهى عن المنكر] الشيطان يتمنى ذلك، لكن ينبغي إذا وقعنا في واحدة ألا نقع في اثنتين، إذا زل الإنسان في زلة بسيطة أو سهلة يستغفر ويتوب إليه سبحانه وتعالى، ومع ذلك يبقى مصراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يجمع على نفسه هذين الأمرين يقول الشاعر:

إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد

المعصومون هم الأنبياء: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:٣٢] ليس هناك أحد يسلم الصغائر إذاً: فلا تكن هذه المسألة حجة.

كنت أعرف صديقاً، من حسن صفاته أنه كان دائماً إذا صلى في مسجد استأذن إمام المسجد أن يلقي كلمة، فيقوم يلقي كلمة يتأثر بها كثير من الناس الحاضرين، وبعد مدة ترك هذا الشيء، وسألته: يا أخ فلان! مالك؟ قال: يا أخي أنا أرى نفسي مقصراً في بعض الأمور، إذاً: يا أخي! عالج نفسك ولا تحرم الناس هذا الخير، ولا تحرم نفسك هذا الأجر والثواب، انظروا هذا المدخل الشيطاني! أيها الإخوة: لا يأتي الشيطان إلى أحدنا ويقول له: من أنت؟ لست بعالم، ولست بكامل، وفيك وفيك من الذنوب ما الله به عليم، نقول: لا.

أنا أستغفر الله وأتوب إليه، وأجاهد نفسي، وما دمت حياً فأنت في جهاد مع نفسك، لأن هناك شيطاناً يجاهدك، وهوىً متبعاً، ونفساً أمارة بالسوء، كلها ستجاهدها في وجه الله وفي طاعة الله سبحانه وتعالى، فلا يكون ذلك مدخلاً عليك في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.