للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر عند الصدمة الأولى]

إذاً يا عبد الله! إذا نزلت بك المصيبة من أمر الله، والمصائب سنة في العباد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥] لا بد أن تقابل قدر الله بالصبر على البلاء والرضا بالقضاء، فإن ذلك أعظم للأجر، وإلا فإن ما قدر الله واقعٌ لا محالة، فمن رضي فله الرضا والأجر والمثوبة، ومن سخط فعليه السخط.

ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم

أرأيتم الذين يصيحون ويولولون، ويبكون ويتسخطون، ويتذمرون ويتشكون عند أدنى مصيبة من المصائب، ولتكن موت قريب أو حبيب أو أم أو أب، لو قلنا لأحدهم: هذا أبوك أو أمك خذها وضعها عندك، والله ما يطيق البقاء معه ولا معها يوماً واحداً، فالحمد لله الذي شرع الدفن سنة لبني آدم.

(مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي على قبرٍ وقال: يا هذه! اتقي الله واصبري! قالت: إليك عني! وما شأنك وشأني!! فلما ولى النبي صلى الله عليه وسلم، قيل لها: هذا رسول الله أما تعرفينه؟ فقامت تلحقه حتى أتت إلى بيته -ولم تجد عنده بوابين- قالت: يا رسول الله! الآن أصبر، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

فيا عباد الله! عودٌ إلى موضوع القصة وهو: أن ظاهر الأمر في القضاء وإن كان مراً؛ إلا أن الله جل وعلا يقدر فيه أعظم المنة وأكرم المنحة، وأجل العطية، وأفضل الهبة، في أمرٍ ترى ظاهره أمراً تكرهه وحقيقته أمرٌ من الأمور التي تحبها، قد يموت قريبٌ لك بحادثٍ في السيارة، فتقول سبحان الله! كيف مات هذه الميتة؟ لا شك أن أجله هو في تلك اللحظة، سواء كان في الطائرة، أو في السيارة، أو على فراشه، لكن الله قدر المصيبة أن تكون في حادثٍ من الحوادث وما يدريك لعله أوشك أن يفضي إلى ربه وقد بقيت في ذمته سيئاتٌ ما تاب منها، فشدد الله عليه البلاء والعقوبة في آخر لحظة من لحظات عمره حتى تكون ممحصة ومزيلة لك الذنوب، فيقدم على ربه طاهراً مطهراً، ونحن في ظاهر الأمر نبكي أو نجزع وهو في حقيقة الأمر عين الرحمة، وعين الرضا، وعين اللطف بهذا العبد الذي توفاه الله جل وعلا.