للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طريق الدعوة طريق تضحيات]

عباد الله: هذا طريق الدعوة هذا طريق الجهاد هذا طريق الإسلام، لو كانت الدنيا بما فيها من الزخارف والمتاع والأموال غبطة لكان أول من نالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد خيَّره ربه أن يجعل له جبال مكة ذهباً وفضة، فقال: (لا يا رب! أجوع يوماً وأشبع يوماً) واختار عيشة الكفاف حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى.

لقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وليس هذا أول بلاء على المسلمين، فطريق الدعوة محفوف بالمكاره، و (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات).

رسول الله أكرم من وطأت قدمه الثرى، لقي من العنت والمضايقة والمشقة من قومه؛ وضعوا سلى الجزور على ظهره، وآذوه وطردوه من بلاده، جاء الصحابة إليه صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله متى نأمن؟ بعد أن هاجروا إلى المدينة وما زال الأمن متزعزعاً، متى نأمن يا رسول الله؟ قالوا: يا رسول الله! أحدنا لا ينام إلا وسلاحه تحت فراشه، أحدنا لا يبول إلا وسلاحه على كتفه، متى نأمن يا رسول الله؟ قال: (إنكم قوم تستعجلون، ألا إن نصر الله قريب) {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤].

جاء خباب وكشف ظهره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بآثار الحديد المحمي على النار في ظهره، يشكو قسوة ما فعلت سيدته به، قال صلى الله عليه وسلم: (لقد كان الرجل فيمن قبلكم يؤتى به فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، وينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى قدمه، ما يصده ذلك عن دينه).

وإن كان أعداء الإسلام بهذه الحادثة يخوفون المسلمين في أي مكان، فليعلموا أن الإسلام عزيز بعزة الله، رفيع برفعة الله، قوي بقوة الله وجبروته وقدرته.

يا معاشر المؤمنين: طريق الجهاد والدعوة طريق تضحيات، وقد قدم الدعاة في هذا الطريق شيئاً كثيراً، إلى عهد قريب سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حفيد إمام الدعوة، لقد فعل به العثمانيون فعلة ما فعلها أحد بمثله، جعلوه في فوهة المدفع ثم أوقدوا هذا المدفع وجعلوا أجزاءه تتطاير، وأشلاءه تتناثر، انتقاماً لمّا أن قام إمام الدعوة وكفرهم بباطلهم، وكفرهم ببدعهم وقبورهم وضلالهم وفسادهم.

إذاً فطريق الإسلام طريق تضحيات، ومن يجزع من هذا الطريق فلا مكان للثبات والصمود عنده.

يا معاشر المؤمنين: اسألوا الله جل وعلا أن يعز هذه البلاد وولاة أمرها، إننا لنعيش في أمن ما عاشه أحد، وعلماؤنا في طمأنينة ما اطمأن بها أحد، والخيرات توافد إلينا ما ذاقها أحد، أي نعمة هذه؟! نسأل الله ألا تكون استدراجاً.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ركب المراكب التي ركبناها، وما شرب المشارب التي شربناها، لقد طرنا في الهواء، ومشينا على الماء، وجيء لنا بفاكهة الصيف في الشتاء، وما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنحن أفضل منه؟ لا.

وحاشا وكلا، ولا أفضل من عشر معشار واحد من صحابته.

إذاً فاعلموا أنما هي استدراج، قيدوها بشكر الله يا عباد الله! وأقلعوا عن الغفلة، واتقوا الله في أنفسكم، إن كثيراً من المسلمين في غفلة ولهو، إن كثيراً من المسلمين لا يشهدون الصلاة، إن كثيراً من المسلمين في قطيعة، إن كثيراً من المسلمين لا يذكرون الله إلا قليلاً: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] الخطباء والوعاظ، الأئمة والعلماء يصيحون ليل نهار، لكن أين القلوب التي تجد مكاناً لهذه المواعظ والذكرى؟ إن في قلوبنا مرضاً، إن في قلوبنا قسوة، إن في قلوبنا بلاء، نسأل الله أن يرفعه عنا برحمته، نسمع آيات الله تتلى ولا تسقط دمعة واحدة من أعيننا، نسمع بإخواننا يُقَتَّلون ولا تتحرك شعرة من مشاعرنا، أي بلاء حل بنا يا معاشر المؤمنين؟ وأي مصيبة نحن فيها يا معاشر المؤمنين؟ اللهم لا تعذبنا بغفلتنا، اللهم لا تسخط علينا بلهونا.

اللهم تب علينا كي نتوب، واغفر لنا يا غفار الذنوب، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم ولنا ظهورهم، اللهم أقم علم الجهاد، اللهم اقمع أهل الكفر والزيغ والعناد، اللهم أهلكهم بدداً، وأحصهم عدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، اللهم اجعلهم كالمجانين في الطرقات، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم لا ترحم فيهم كبيراً ولا صغيراً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة، أو أراد علماءنا بمكيدة، أو أراد شبابنا بضلال، أو أراد نساءنا بتبرج أو سفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم آمِنَّا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم مكن إمام المسلمين بكتابك وسنة نبيك، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم اجمع شملهم، ووحد كلمتهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفهم، اللهم لا تفرّح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله اختم بها آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، اللهم عافهم واعف عنهم، اللهم أكرم نزلهم، اللهم وسع مدخلهم، اللهم افتح لهم أبواباً من الجنان.

اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم تلطف بنا وتجاوز عنا وكن لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومَنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين.

يا شباب الإسلام: وبعد هذا كله من منكم يقول: أتوب إلى الله وأستغفره عَمَّا بدر مني، وأتوق صراط ربي المستقيم مقلعاً عن الذنوب والمعاصي؟ من منكم يتوب إلى ربه في لحظة استجابة، في لحظة يستجيب الله من عباده! ألا إنا نتوب إليك يا ربنا! فتب علينا.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.