للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضوابط مجالسة الصالحين]

السؤال

إنسانٌ يمنع أخاه من مجالسة الصالحين وحضور المحاضرات والدروس مع أنه على خيرٍ وعلى دين، فما العمل في ذلك؟

الجواب

على أية حال يا أحبابنا! ونقولها بصراحة: لعل حادث تفجير العليا في مدينة الرياض كما علمت ونقل إلي أن أناساً اضطربوا، ومنهم من نكص على عقبيه، ومنهم من حلق لحيته، ومنهم من تراجع عن مجالس الصالحين، وآباء حذروا أبناءهم، فنقول لهؤلاء: لا، لا، لا، ليس هذا هو الحل، نعم، نحن نبرأ إلى الله عز وجل من منهج التكفير، ونبرأ إلى الله عز وجل من هذه الفعلات القبيحة الشنيعة، ونبرأ إلى الله من هذا الأسلوب، ونبرأ إلى الله من كل ما يخالف الشرع والحق والهدى الذي عليه كبار علمائنا الأجلاء، ندين ديانة لله عز وجل بحبهم والثقة بمنهجهم ولا نتزحزح عن ذلك أنملة، لكن في المقابل يأتي أقوام يقول لك: إذاً الحل أن نحذر من التجمعات، نحذر من جلوس الشباب مع بعض، نحذر من رحلات الشباب إلى العمرة مع بعض، نحذر من رحلات الشباب إلى الحج مع بعضهم، نحذر من اجتماع الشباب في المساجد لقراءة كتاب الله أو الذكر أو الحلقات.

لا، لا، لا، إذا أخطأ طبيبٌ فلا يمنع الطب كله، وإذا أخطأ رجل أمنٍ فلا يلغى الأمن كله، وإذا أخطأ رجل حسبة فلا تلغى الحسبة كلها، وإذا تصرف شابٌ وإن كان مظهره مظهر التزامٍ بالسنة، ومنهجه منهجٌ منحرف، فإن ذلك لا يعطل أو يعرقل في مسيرة الدعوة شيئاً، الدعوة إلى الله بأساليبها الشرعية، وضوابطها المرعية، وآدابها، علينا أن نستمر فيها، الكتاب النافع قراءة وتوزيعاً، الشريط النافع تسجيلاً وتوزيعاً، الموعظة، الرسالة.

كل أساليب الدعوة لا بد أن تستمر كما هي، وألا تكون سبباً في النكوص والتراجع، فلنحذر من أن تكون سبباً في المشكلات أو المفاجئات، أو الأفكار المنحرفة، أو المناهج المستوردة، علينا أن نحذر منها، لكن ليس الحل أن نغلق كل خير بنيناه ونقول لا فائدة، لا، يا أحبابنا! ماذا نعمل في مواجهة الغزو الفضائي؟ الآن الهواء الذي نتنفسه ونتنقل فيه مملوء بالصور والكلمات والأصوات، سبعة وأربعين قناة فضائية باللغة العربية تبث مع مئات القنوات التي تبث باللغات الأخرى الأجنبية، نحن مستهدفون، وهي موجهة إلينا في ظل هذا الزخم الهائل من الحرب الإعلامية عبر المجلات والدشوش والأطباق والمستقبلات الفضائية، نأتي مع هذا ونقول: الحل أن نغلق مجالسنا، ومكاتبنا، وحلقات القرآن، واجتماعات الشباب ولقاءاتهم، لا، فالحل هو أن نحذر من المسالك الجائرة والمناهج المستوردة والأفكار المشبوهة، وأن تستمر الدعوة أصلب عوداً وأقوى مكانة وقدماً راسخةً بإذن الله عز وجل، وأما هذا الأخ الصالح الذي يحذر أخاه من مجالسة الصالحين، فنقول: يا أخي الحبيب! والله لئن جالسهم فهو في خير، ولو جالس الأشرار، لربما تمنيت أن يموت ولا رأيته على بعض الأحوال.

أب كنت أعرفه وكان له ولد، يقول: كنت لا ألتفت لتربيته والعناية به، قال: فما كان من فترة إلا وتأتيني الأخبار عن فساده، ولواطه، وانحرافه، ومخدراته، قال فسألت الله إن كان في سابق علمه أن ليس له هداية أن يأخذ روحه، قال فما جاوز أسبوعاً إلا ضربته سيارة وتوفي.

والله إني كنت معه في المقبرة وهو يقول: الحمد لله الذي أخذه، فيا أخي الحبيب! هل أنت تندم يوم أن يصحب أخوك جلساء صالحين يدلونه إلى الهدى؟ نعم أنا مع الذين إذا كان لأحدهم ولد أو أخ لا تسلم ولدك أو أخاك لأي جليس، إذا جاءت مجموعة شباب يزورون ولدك، فتقول لهم: أهلاً وسهلاً بالشباب، اجلسوا، ماذا عندكم يا إخواني؟ أين الكتب التي تقرءونها؟ ماذا تسمعون من الأشرطة؟ اخرج معهم في رحلة، إذا وجدت القوم عندهم أسرار ولف ودوران وأشياء مخبئة، فاعلم أنهم كما قال ابن مسعود: إذا رأيت القوم يتسارون في أمر دينهم، فاعلم أنما يؤسسون بدعة، حينئذٍ اسحب أخاك وابحث له عن جلساء طيبين غير هؤلاء، لأن دين الحق واضحٌ كالشمس، لا يحتاج إلى وزوزة أو سرية أو كواليس أو خنادق أو أماكن خفية، أما الذي عنده بدعة أو الذي عنده طريقة تخالف العلماء وتخالف الدعاة، وتخالف ما شرع الله من الدعوة إليه، فلا شك أنه سيضطر إلى السرية، وسيضطر إلى مثل هذه الأساليب، لكن نقول: إذا كنت مشفقاً خائفاً على أخيك، فليس الحل هو منعه، بل الحل أن تدخل في وسط زملائه وتنظر ماذا يقرءون وماذا يصنعون وأين يذهبون ومن يزورون وبمن يتأثرون؟ فإذا وجدتهم على منهجٍ صحيح، فالحمد لله، وإن وجدتهم على بدعة أو شرٍ، أو تفجير أو تكفير، أو عدوان أو ضلالة، فعليك أن تسحبه منهم ولو بلغت لحاهم ما بلغت، ولو بلغت ثيابهم ما بلغت، ولو بلغت أقوالهم ما بلغت.