للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طرق الاستعداد لوقت الرحيل]

السؤال

ما هي الطرق السليمة للاستعداد لوقت الرحيل إلى الله عز وجل؟

الجواب

معلومٌ أيها الأحبة! أن المسلم لا يدري متى أجله، ولكن إذا دنا الأجل دنواً بيناً، فله علامات، ولكن لنعلم أن هناك علامات جلية وواضحة وهناك أمارات، فمن ذلك بلوغ الستين (قد أعذر الله إلى امرئٍ بلغه الستين من عمره) كما في صحيح البخاري، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) فالذي بلغ الستين أو السبعين هو يمشي حقيقة في الفائدة، أما رأس المال فقد استوفاه، هو ميتٌ يمشي على وجه الأرض، وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وكما يقول القائل:

إذا الرجال ولدت أولادها

وأصبحت أسقامها تعتادها

وأنهكت من مرضٍ أجسادها

تلك زروعٌ قد دنا حصادها

فإذا رأى الإنسان مثل هذه العلامات الطبيعية، فلاشك أنه يعد نفسه في عداد المقبلين على الآخرة، ومن المؤسف أنك ترى أقواماً كباراً في السن كما يحدثنا الإخوة وخاصة الذين يعملون في الخطوط الجوية، يقولون: كم رأينا أناساً قد جاوزوا الستين وجاوزوا السبعين، والواحد منهم بعد أن بلغ ما بلغ من العمر، والمفترض منه أن يقبل على المسجد وعلى الركوع والسجود وتلاوة كتاب الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة، تجده يعود في مراهقة مزعجة في آخر حياته، فيقضي حياته بين بومباي ومانيلا ودول أخرى يقضي عهراً وفساداً ومصائب، وكثيراً منهم من يعود محمولاً في تابوتٍ ليحدث أو يحكي قصة رحيلٍ سيئة مخزية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كذلك يعلم الإنسان إذا حل به مرضٌ في الغالب أن صاحبه لا يشفى منه، هذه من دلائل أن الإنسان سوف ينتهي به الأمر إلى الموت، فلا بد أن يستعد ولا ينزعج للقاء الله عز وجل، بل ربما بعض الذي يصابون بمرضٍ في الغالب ينتهي بأحدهم إلى الموت، إذا علم بذلك أن تلك فرصة أن يعلم، أي الخير هو أم هذا الذي هو سادر في شهواته وغفلاته وملذاته ومعاصيه، ثم يأتيه الموت على أخبث حالٍ تخزيه عند الله يوم القيامة؟ والناس يبعثون على ما ماتوا عليه، فربما كتب الله لبعض الناس مرضاً قبل موتهم بأيامٍ أو أشهر ليكون لهم عبرةً وعظةً واستعداداً، يوصون فيه ويردون المظالم ويتوبون إلى الله، ويجتهدون في الطاعات، فتكون نهاية حسنة مع أن هذا المرض لا يزال بأحدهم حتى يخرج من الدنيا وما عليه خطيئة، وربما كانت له المنزلة من الجنة لا يبلغها بعمله، فيشدد عليه البلاء حتى يبلغها بما ابتلاه الله به.

أيها الأحبة! فلنحرص دائماً على الاستعداد لهذا الموت، لأننا نموت في كل ليلة {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:٤٢] فأنتم هذه الليلة سوف تموتون، وكلنا سنموت، ولكن أرواحاً تسرح، وأرواحاً تعود من جديد إلى أجسادها، فعلينا أن نستعد لذلك، وخير استعداد للموت هو البراءة والتوبة من السيئات والمنكرات، والاجتهاد في فعل الواجبات، وكما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) لا نريد من كثير عمل، أولاً ترك المحرمات وفعل الواجبات، ثم إذا أردت أن تنال مزيداً من القربى عند الله: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به الخ) فأول قربة البراءة من المحرمات والاجتهاد في الواجبات والطاعات يا أخي المسلم! وحينما نتكلم عن الاستعداد للرحيل، فليس ذلك بدعوة إلى أن يترك الإنسان مكسبه ومعيشته وعمله الذي يؤجر فيه، لأن الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، والذي يسعى على أولاده يطعمهم من الحلال، له بكل ما يطعمهم من ريالٍ أو درهمٍ حسنات، كما جاء في الحديث: (إنك ما أنفقت نفقة تبتغي بها وجه الله، حتى ما تضعه في فيّ امرأتك إلا كتب لك به الأجر) فذلك من الاستعداد للرحيل، لا نظن أن الاستعداد للرحيل الاعتكاف في الزوايا والصوامع والتكايا والأربطة، لا نظن أن الاستعداد للرحيل هو أن يبقى الإنسان متسولاً من الشحاذين، ويقول: أنا مستعد، لا، الاستعداد للرحيل أن تكون قوياً في دينك، قوياً في دعوتك، قوياً في طاعتك، قوياً في دنياك أيضاً: (والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).