للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلمانيون وعجزهم أمام الخطب والمحاضرات]

إن العلمانيين وإن نشروا في المجلات أو الصحافة -سواءً كانت الأجنبية أو غيرها- وإن تكلموا في بعض الوسائل التي يتاح لهم الكلام فيها لا يستطيعون أن يقفوا أمام المؤتمر الأسبوعي ألا وهو خطبة الجمعة الذي آلاف الجوامع في المملكة يشهده ملايين المصلين هل يستطيع العلمانيون أن يقولوا: كفوا عن صلاة الجمعة؟! لا يستطيعون أبدا، ولذلك فإنهم يأتون ويقولون: لو أن خطبة الجمعة ارتقي بها عن السفاسف وعن صغائر الأمور، وكان الاهتمام بالأمور الكبيرة والأمور العظيمة حتى لا يتكلم الخطباء ورجال المنابر في باطلهم وكشف زيفهم وخداعهم، وإنا -والله- لنقول لهم: إنما هذه العصا من تلك العصية، وإن عادت الحية فلها مرة أخرى.

والله ثم والله ثم والله ما رأينا لعلماني صوتاً إلا لنفندن باطلة، ولنكشفن زيفه، ولنظهرن خداعه، نسأل الله أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم.

إن العلمانيين أمامهم مصيبة عظيمة اسمها خطبة الجمعة، هي التي أيقظت الناس من سبات الغفلة ونومهم العميق ومن جانب الضلالة إلى الهداية، قالوا: من لنا بهذه المنابر ومن يسكتها، ومن يخرس ألسنة رجالها، ومن الذي يمنعها؟ حاشا وكلا، بل يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون.

إذاً: فاعلموا -يا معاشر المؤمنين- أن الله جل وعلا ما شرع هذه الجمعة، وشرع الاجتماع لها، وشرع السعي لها، وأوجب حضورها، وأوجب الاستماع والإنصات لخطيبها، إلا لحكمة يراها ويعلمها؛ لأنه قد يمر على المسلمين زمان قد لا تظهر فيه كلمة الحق إلا على المنابر، قد يفقد الناس كلمة الحق في وسائل الإعلام لكنهم لا يفقدونها على المنابر بفضل الله جل وعلا، ومن هنا نتأمل وندرك سراً جليلاً، وحكمة بالغة من أسرار هذه الجمعة كيف شرعها الله جل وعلا في هذا الوقت، وأوجب الناس بالسعي إليها، وحرم على الناس البيع والشراء يوم أن يسمع الناس النداء الثاني لها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:٩] والذكر هو الخطبة، واتركوا البيع والشراء والمعاملة والمعاطات والانشغال بكل أمرٍ يشغل الناس عن خطبة الجمعة؛ لأنها لا بد أن تحتوي على ما يوقظ النائمين، وينبه الغافلين، ويهدي بمن الله الضالين؛ لأنها خنجر في قلوب أعداء الله جل وعلا.

إن العلمانيين والمنافقين يوم أن يريدوا أن يجمعوا لمؤتمر عدداً كبيراً، لا يستطيعون أن يصرحوا صراحة بأهدافهم، أو لا بد أن يلبسوا ذلك ويغلفوه بأهداف فنية أو أدبية أو أشياء أخرى ولا يجتمع لهم إلا عدد قليل، لكن الله جل وعلا قد تكفل بالمؤمنين أن يجتمعوا في ساعات معينة فيقف الخطباء وعليهم مسئولية أمام الله أن يتقوا الله في أوقاتكم، وفي هذه الساعة أو أقل من الساعة التي تجلسونها منصتين مطرقين لكلامهم هل تسمعونهم برنامجاً عملياً؟ هل تسمعونهم موعظة وذكراً؟ هل تسمعونهم فكراً وعملاً نافعاً جيداً نيراً؟ من هنا كانت الجمعة لأسرارٍ عظيمة هذا واحد من أيسر أسرارها وأحكامها التي شرعت لها.