للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرافقة موسى للخضر]

ثم بعد ذلك: لما عاهد موسى الخضر على أن لا يسأله عن شيءٍ حينما يتبعه {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} [الكهف:٧١] لم يطق موسى ولم يصبر ونسي أنه عاهد الخضر على الصبر وعدم السؤال، فقال: {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:٧١] قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كانت الأولى من موسى نسياناً) أي: أنه نسي ما عاهد عليه الخضر ألا يسأله عن شيءٍ حتى يحدث له منه ذكراً فقال له الخضر: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:٧٢] قال موسى: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ} [الكهف:٧٣ - ٧٤] ولم يطق موسى أيضاً، فقال: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:٧٤] فأجاب الخضر للمرة الثانية بعبارة أغلظ من الأولى حيث قال: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:٧٥] ولم يقل في الأولى: (ألم أقل لك) بل قال فيها: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:٧٢] وأما الثانية فقال: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:٧٥].

ثم بعد ذلك مضيا: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} وكانوا لئاماً {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} فدخلا القرية: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} قال موسى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:٧٧] لو شئت لأخذت شرطاً ونولاً وأجرة على إصلاحك هذا الجدار، الحاصل أن الخضر قال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:٧٨] لا أستمر معك في هذه الصحبة، وسأنبئك بما لم تستطع عليه صبراً.