للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تدليل على يسر التوبة من قصة صحابي]

لا تظن أن التوبة أمر صعب المنال، إن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو المعلوم في سبب نزول قوله سبحانه وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤] في سورة هود هذه الآية المدنية في تلك السورة المكية سبب نزولها أن أحد الصحابة كان تماراً -رضي الله عنه- فجاءته امرأة جميلة بارعة الجمال فقالت: هل عندك تمرٌ أجود من هذا؟ فقال: نعم، في البيت تمرٌ أجود منه، فتقدمها وفتح الباب لها، ظناً منها أن في مقدمة البيت تمراً أجود من ذلك التمر الذي رأت، فما كان منه -رضي الله عنه- إلا أن أغلق الباب دونها، ثم أخذها وضمها وقبلها، يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: وما كان بينه وبينها ما يوجب الحد، مجرد ضمة وقبلة، ثم إنه ندم وبدأ عتاب الضمير يلاحقه ويجلده بسياطٍ في نفسه حتى هرع مسرعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني فعلت كذا وكذا، فهل قال صلى الله عليه وسلم: اقلب وجهك، اغرب عنا، أنت منافق، في ظاهرك مع الصحابة وتفعل هذه الغلطة الكبيرة، لا يمكن هذا!! كما هو الحال اليوم لو أن بعض الناس زل أو أخطأ لربما أنكره إخوانه وأبغضوه، وتجهموه وطردوه من مجالسهم، كان الرجل يعصي فيقيم عليه النبي صلى الله عليه وسلم الحد، ويجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم من يوم غد، ما قال: ابعد فقد عصيت الله ولا تجلس مع الأخيار، بل الواجب أن الأخيار هم أوسع الناس صدراً وأرحب الناس قلوباً لاحتواء من زل وأخطأ وأذنب ثم عاد إلى الله سبحانه وتعالى.

الحاصل قال صلى الله عليه وسلم: لا تبرح مكانك، حتى تغشاه الوحي، فلما سري عنه صلى الله عليه وسلم قال: أين السائل؟ قال: هو أنا ذا يا رسول الله، قال: إن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] ما أجمل هذا القرآن! ما أجمل هذا الكلام المعجز القوي المتين المملوء حكمةً وعلماً! {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:٢٧] {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف:١٠٩] ما أجمل كلمات ربي! ما أحكم كلمات ربي! ما ألذ كلمات ربي!

وإن كلام الله أوثق شافعٍ وأغنى غناء واهباً متفضلا

وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلا

ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطلا

ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا