للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وضع المسلمين اللاجئين في الحدود الصومالية]

أيها الأحبة! الوضع سيئ جداً جداً، أما الماء الذي يشربونه فلا أنهار جارية، إنما من المستنقعات المليئة بكل ما يسبب البلهارسيا والملاريا والدسنتاريا المليئة بالجراثيم العجيبة، وربما جفت بعض المستنقعات فرحلت الهياكل العظمية التي كُسيت بجلد جاف رقيق بجالون صغير ساعات طوال تبحث عن مستنقع لم يجف بعد، تجد فيه قطرة ملوثة مملوءة بكل شيء، من ألوان الجراثيم والفيروسات والبكتيريا، وإذا وصلوا إلى مستنقع فيه بقية من ماء ملوث، لابد أن ينتظر الساعات حتى يصل الدور إلى جالونه؛ لأن الناس طوابير على هذا المستنقع.

أما السكن فأغصان من الشجر تغرز في الأرض، ويلقى عليها أسمال بالية وخِرق ممزقة، لا تجاوز مساحتها الخمسة أمتار، فهذه العُشيشة هي المطبخ والمجلس والمرقد، وأي مطبخ وهل هناك آلة طبخ؟ أو شيء يُطبخ؟! الله المتسعان.

أما اللباس فلا عجب أن ترى الأطفال حتى الثامنة ذكوراً وإناثاً عراة ليس عليهم حتى ما يستر عوراتهم المغلظة، أما الكبار فأكوام من النساء لا يستطعن الخروج لعدم وجود ما تُستر به العورة، والرجل لا يجد إلا ما يستر عورته المغلظة.

أما الجنائز فموت الرجل أو المرأة يفرج كربة عريان من العراة، فبموته يؤخذ منه لباسه لكي يُكسى به حي آخر لا لباس له، وبماذا يُكفن هذا الميت؟ ربما دفن عرياناً، وربما كفن بما يوجد من قراطيس وكراتين ونحوها.

أيها الأحبة في الله! أما عن الدواء فلا يُوجد على الإطلاق، وانتشر بينهم مرض اسمه: مرض المرسمس، هذا المرض ينتفخ فيه بطن الطفل انتفاخاً عجيباً، ويُضخم فيه وجهه ورأسه، وتضمر عظامه، ويبقى في حالة عجيبة، ثم بعد ذلك يصب جوفه الإسهال كالماء، ثم يصب الدم كالماء، ثم يموت موتاً بطيئاً.

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وأن المنايا قد غدون أمانيا

يفرح بعضهم أن يموت من أمامه، يجد الموت فرجاً، وفراق الحياة بشارة، حتى يرتاح من هذه المعاناة التي تراها، قال أحد الشباب -وكل ما أذكره لكم من تقارير موثقة، ومن رجلين صالحين ذهبا بنفسيهما، ورأيا بأم عينيهما ما ذكرته لكم أيها الأحبة- لا تسأل عن هذا المرض الذي انتشر فيهم، والجفاف الذي كسا أبدانهم، يصيب بعضهم أو أكثرهم مرض إذا أخذت بجلدة يدي أحدهم أو بجلدة من رقبته أو صدره، ثم جذبت الجلد وأطلقت يدك عنه، فإنه لا يرجع إلى وضعه الطبيعي من شدة الجفاف، حتى ترده من جديد إلى وضعه الطبيعي.

قال -الراوي- ورأينا خيمة دخلناها فوجدنا فيها امرأة مضرجة بالدماء، ينزف الدم من أنفها ومن فمها -أعزكم الله والمسجد والملائكة والسامعين- وينزف الدم من قبلها ومن دبرها، فسألناهم عنها، ما هذه المرأة؟ قالوا: إنها مريضة، قلنا: وماذا تنتظرون؟ قالوا: ننتظر حتى تموت، لنستفيد من خيمتها وملابسها.

وهذا رجل وزوجته مقطوعة أطرافهما، وأطفالهما مصابون بالإسهال، فسألنا عنهم، فقلنا: ما هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء مرضى، وعلى أية حال ربما يموتون بعد خمسة أيام ويستفاد من مكانهم، أصبحت الناس تريد الموت، وتجد في الموت راحة، وتجد في الموت كساء، وشبعاً، ورياً، وأماناً، وطمأنينة، أما الحياة فمرض وجوع وعري وعطش وسقم ونهب وفزع وقلق وخوف.

أما الغذاء إذا وصل إلى تلك المناطق، فلا يقال لهم لقد جاءكم غذاء، إنما يقال: وصلت حملة طبية معها أدوية، ثم تنصب الخيمة والغذاء فيها، ويُدخل المرضى حسب الترتيب الأولوي لأشدهم مرضاً، ثم يعطى الغذاء بملاعق كأنه يعطى الدواء، إذ لو علم أولئك اللاجئون أن هذه القافلة القادمة أو السيارة الواصلة تحمل غذاءً، لتقاتلوا عليها وتناهبوها ولا يلامون من شدة الجوع.

سلوا أنفسكم ماذا ستأكلون بعد الصلاة هذا اليوم، ما هي أصناف الغداء التي ستأكلونها بمشيئة الله بعد الانصراف من الجمعة؟! انظروا أولئك وتذكروا المائدة التي سوف تنزلون عليها.

أما المقابر أيها الأحبة! فما بين كل عشرة إلى عشرين خيمة، تجد قبوراً لخمسة أو ستة، وليس عجيباً أن تجد رجلاً يقول مات لي طفل اليوم وبالأمس مات لي طفلان، وعندي طفل أو اثنان مرضى.

أما النساء الحوامل فثمانون بالمائة من النساء الحوامل يمتن ويفارقن الحياة، ويلفظن النفس أثناء الطلق والولادة لعدم وجود العناية والرعاية بهن.