للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بداية تمكين الله ليوسف في الأرض]

الحمد لله، الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه، وعن المثيل، وعن الند، وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، بلَّغ دين ربه أتم البلاغ، وأوصل رسالة ربه أتم الإبلاغ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.

معاشر المؤمنين: أرسل الملك رسولاً في طلب يوسف وإخراجه من السجن، فلما جاء الرسول إلى يوسف وأخبره بذلك، وبشره بالخروج، قال: لن أخرج حتى ترجع أيها الرسول إلى الملك، ثم تسأله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟ يريد يوسف بذلك أن يتحقق الملك ورعيته من نزاهة عرضه وبراءة ساحته فيما ينسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأخرجت يوسف عليهن، فقال الملك: ما خطبكن وشأنكن إذ راودتن يوسف عن نفسه يوم أن أخرج عليكن؟ فقلن: حاشا لله ما علمنا عليه من سوء، وما هو بمتهم، وعند ذلك ظهر وتحقق ما أرداه يوسف من إعلان براءته على لسان من كاد به، ونطقت امرأة العزيز قائلة: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:٥١] أي: يوم أن قال: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف:٢٦] وتقول امرأة العزيز: وأعترف بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في فعل فاحشة، وإنما راودته مراودة فامتنع، ولست أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من عصم الله ورحمه، وهذا القول هو الأشهر والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام.

وبعد أن تحقق الملك براءة يوسف عليه السلام، ونزاهة عرضه فيما نسب إليه، قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي، وأجعله من خاصتي وأهل مشورتي، فلما كلمه الملك وعرف فضله وعلمه وبراعته، قال له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:٥٤] أي: لك عندنا مكانة وأمانة، فقال يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:٥٥].