للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب تفضيل الرجال وجعل القوامة فيهم]

قال الله عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:٣٤] والقوامة: من القوام على وزن فعال للمبالغة، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها كما ذكره الرازي والقرطبي، والمقصود من قوامة الرجل على زوجته: قيامه عليها بالأدب الحسن والتدبير، والحفظ والصيانة، وتولي أمرها، وإصلاح حالها، والأمر والنهي فيما ينفعها، كما يقوم الولاة بالأمر والنهي على الرعايا، فقيم المرأة ومن له القوامة عليها هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إن ظهر ما يوجب ذلك.

وقد تقول امرأة وقد يقول قائل أيضاً: لماذا كانت القوامة للرجل على المرأة؟ إن الله سبحانه بين ذلك جلياً صريحاً في قوله سبحانه: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:٣٤] يعني: في أصل الخلقة، فالرجل أعطي من الحول والطول والقوة ما لم تعط المرأة؛ فلأجل ذلك كان التفاوت في التكاليف والأحكام والحقوق والواجبات مرتباً على ذلك التفاوت والاختلاف في الطبائع والفطر.

والسبب الثاني جلي من الآية وهو في تبيين القوامة للرجل على المرأة وهي قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:٣٤] فالرجل متحمل للنفقة، باذل للمهر، مسئول عن أشياء كثيرة.

ويذكر المفسرون أن من أسباب فضل الرجال أن فيهم الأنبياء، وأن الإمامة الكبرى والصغرى لا تكون إلا في الرجال، وأن الجهاد على الرجال، وأن الأذان والشهادة في الحدود، والولاية في النكاح، وأمر الطلاق والتعدد وزيادة السهم في الميراث كلها للرجال دون النساء، وكل ذلك من صميم الشرع وليس باجتهاد أو بشهوة أو برغبة، بل الذي خلق الذكر والأنثى هو الذي فضل الذكر على الأنثى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

ومن الواضح أن اختصاص الرجال بهذه الأحكام جاء نتيجة لاستعدادهم الجبلي الذي خصهم الله عز وجل به، ولا يخفى -أيضاً- أن قوامة الرجال على النساء ليست من باب السيطرة، أو من باب الأمر والنهي اللا مسئول، والذي لا غاية ترجى منه، ولا فائدة تجنى من ورائه، بل الحقيقة أن هذه القوامة عائدة مصالحها، منتهية ثمارها إلى المرأة ذاتها، قال القرطبي بعد أن ذكر أسباب التفضيل: ثم فائدة تفضيلهم عائدة إليهن.

أي: فائدة تفضيل الرجال على النساء عائدة إلى النساء.

ولعلي أن ألخص كلام صاحب المنار إذ يقول: فالرجل الذي تحمّل القوامة بناءً على أساس الخلقة وما خص به وجبل عليه من الكسب والنفقة على الزوجة، فقد تيسر للزوجة القيام بوظيفتها الفطرية وهي الحمل والولادة، وتربية الطفل، وهي آمنة في سربها، مكفية ما أهمها من أمر رزقها، فيسر للمرأة كل ذلك بسبب حماية الرجل لها وإنفاقه عليها، وهذا جلي وواضح.

والقوامة -أيها الأحبة- تقوم على أساس المودة والرحمة، فالذي يعاشر المرأة ويعاملها من باب الغطرسة، ومن باب التلذذ والتفكه بالأمر والنهي، والأوامر التي لا فائدة من ورائها سوى إكمال نقص يشعر به الرجل يملؤه في الأمر والنهي الذي لا غاية ترجى منه، فإن هذا ليس من القوامة في شيء، إنما القوامة في الأمر الذي ينمي خلقاً، ويزرع أدباً، ويحفظ سمتاً، ويهدي دليلاً، ويصلح حالاً، وينشئ بيتاً، ويحمي كياناً، ذلك الأمر والنهي هو الذي يفيد بإذن الله سبحانه وتعالى؛ فلأجل المودة والرحمة والسكن والراحة النفسية شرع الزواج، وشرع فيه أن تكون القوامة للرجال على النساء، فإن الله عز وجل لما جعل في الزواج السكن والمودة والرحمة لم يكن لينقضه بقوامة الرجال وغطرستهم إن أسيء استخدامها، بل إنما جاءت القوامة تكميلاً لمسألة السكن والمودة والرحمة؛ ولذا قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:٢١] فقوامة الرجل ورياستة التي قلدها يجب أن تكون مبرأة من التعسف في استعمال الزوج سلطته، ليس لك أن تستخدم هذه القوامة في إذلال المرأة والإضرار بها كما يظن كثير من الجهلة، بل إن القوامة والرياسة الزوجية أسسها المودة والرحمة، وضابطها إرادة الخير، فهي لم تشرع إلا لإعزاز المرأة والاهتمام بها، وتقويمها وتأديبها ولكن بضوابط، كأن تهمل حق الزوج فتحتاج إلى هذا الأدب.

وإن مما يفسد الحياة الزوجية استثقال كثير من النساء إن لم نقل جلهن قوامة الرجال عليهن، وكل امرأة تؤمن بالله رباً وتؤمن بأن الله عليم حكيم، كل أمره ونهيه قائم على مقتضى العدل -لأن الله لا يظلم- مشتمل على تمام الحكمة لأن الله لا يعبث، كل امرأة تؤمن بالله عز وجل وتؤمن بذلك كله فإنها ترى طاعة الزوج باباً من أبواب العبادة، لا تنظر إلى الطاعة أنها باب من أبواب التعسف والغطرسة، أو من باب قهر النساء بأمر الرجال هذه مسألة مهمة.

ونحن اليوم في زمن كما جاء في صحيح البخاري (يأتي على الناس زمان يشربون الخمر فيسمونها بغير اسمها) نحن في زمن انتكست فيه كثير من المفاهيم، وتقلبت فيه كثير من الأمور، فأصبح المعروف عند البعض منكراً، والمنكر عند البعض معروفاً، وأصبحنا نجد من الغرائب والعجائب أشياء كثيرة! أليس الناس يرون أن عظماء الرجال هم الذين لا يخرجون وحدهم، بل الغالب أن معهم من الحشم والخدم والحرس من يأتمرون بأمرهم، ويستجيبون لتوجيهاتهم، ويحفظونهم ويقدمون لهم ما يشاءون ويريدون؟

الجواب

بلى.

لماذا لما كان الرجل حارساً للمرأة حامياً لها، وذلك من باب إكرامها وحشمتها والعناية بها لم يقال فيه: هذا من باب الاحترام وإنما قيل: هذا من باب التجسس؟! تكتب صحفية ماجنة مثلاً أو يكتب علماني فاسد مفسد لا يريد للمسلمين أن تظل مجتمعاتهم على درجة من الصيانة والرعاية والحفظ والتمام، لا يريد لهم ذلك فيقول: الرجل جاسوس يتابع المرأة، ولا تمنح المرأة أي ثقة بل لابد أن ينطلق الجاسوس تابعاً لها في كل مكان تخرج إليه.

لماذا لم يجعل الحشم الذي يمشون خلف العظماء من باب التجسس عليهم؟ لا، هؤلاء عظماء، ويستحقون الخدمة والحشمة والرعاية والصيانة، فكذلك المرأة جعلت في منزلة رفيعة بحيث أمر الزوج أن يكون معها في السفر فلا تسافر وحدها، وبحيث ألا يخلو أحد بها، فلا يخلو بها أحد من دون محرم، ولأمور كثيرة يراها الشرع الحنيف، ومن يفقه الشرع يرى أنها من تمام الرعاية والرفعة والكرامة والإجلال للمرأة، ويراها أعداء الإسلام وأذناب الغرب يرونها لانتكاس فطرهم ومفاهيمهم من باب التجسس والشك، ومن باب المتابعة والتنقيص لأمر المرأة! وكل ذلك مما يدخله تلاعب الألفاظ، والحقيقة أن ذلك هو الحق الذي شرعه الله في كرامة هذه المرأة، أن تخدم وأن ترعى وأن تصان وأن تحفظ، لا أن تكون سلعة لدعاية في منتج، حتى إطارات السيارات، وحتى بطاريات السيارات، وحتى أمور لا علاقة للمرأة في علاجها والتعامل معها جعلت المرأة سلعة أو دعاية في ترويجها، كل ذلك من باب احتقار المرأة عند أولئك، وإن كانوا أظهروا لها وسموها أنها المرأة المتحررة، والمرأة السعيدة، والمرأة التي تلبس ما شاءت، وتخرج متى شاءت، وتحدث من شاءت، وتتكلم مع من شاءت، وتفعل ما شاءت كل ذلك جعلوه في قالب قشيب جذاب تؤزه الدعاية والإغراء والفتنة، وتستهدفه الشهوة التي تجعل النساء في هذه الأحابيل ليكن فرشاً ومتاعاً وزهرات يمتص رحيقها من قبل الرجال، حتى إذا لم يبق من الرحيق شيء رمي بها في قارعة الطريق، ولا تجد من يلتفت إليها بأي حال من الأحوال.

حينما تجد الأساليب أو الميادين أو المجالات التي أقحمت فيها المرأة بغير طائل ولا مصلحة بل لمفسدة ومذلة، تعلم تماماً -إن رزقك الله النظر بعين البصر والبصيرة- أن المرأة استخدمت كسقط المتاع، وكأدنى وسيلة من أجل ترويج البضائع والحصول على الأموال.

إذا المرأة عرفت أن قوامتها عبادة كما تتعبد ربها بالصلاة والركوع والسجود والصيام، فإذا علمت أن قوامة الرجل عليها عبادة فإن ذلك يجعلها تسعد وتلذ بهذه القوامة، بل المرأة السليمة التي لم يفسد ذوقها ولا عقلها هي التي تشعر أنها بأمس الحاجة إلى قوامة الرجل عليها، بل الكثير من النساء اللائي يشكين من جور الزمان، وغلبة الملوان، وما يحصل لهن من الأذى والهوان تقول: يا ليت لها قيماً يحفظها ويصونها ولو أمرها ونهاها بما يتضايق منه كثير من النساء هذه المرأة العاقلة، لكن التي لم تقدر نعمة القوامة من قبل الرجل عليها فإنها تتمنى أن تتفلت؛ لأنها لا تنظر إلى القوامة والتعامل معها من باب التعبد؛ ولأنها لم تكتشف بعد حقيقة ما يؤول إليها من النفع من خلال هذه القوامة.

إذاً فلا بد أولاً من رضا النساء بحكم الله وشرعه فهو الأعلم بالأصلح للرجال وللنساء، ولذا جعل القوامة في أيدي الرجال فقال: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:١٤٠] حتى لو لم تظهر لنا بعض الحكم فلا بد أن نسلم ولابد أن نرضى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦] أي مؤمن! يتعامل مع هذه النصوص الشرعية المعصومة بمقتضى التسليم والخضوع والانقياد لله عز وجل، والاتباع لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة المسلمة حيال ذلك لا تملك إلا الرضا والسعادة والتسليم، ومن كانت على غير هذا فإنها تضيق وتتبرم بهذه القوامة.

أيها الأحبة في الله! إن الله سبحانه وتعالى قد عظم حقوق الزوج على زوجته مع أن الله سبحانه وتعالى جعل لهن من الفضل والكرامة كما للرجال، إلا أنه جعل للرجال عليهن درج