للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المخالطة وأثرها]

إن المخالطة إما أن تنمي وإما أن تردي فإما أن تنمي فيك خيراً يزداد، وإما أن تردي فيك أموراً عجيبة وخراب.

أخي الحبيب! لا تعجب من أن المخالطة لها ذلك الأثر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بخبر يدل على أن الإنسان لو خالط بهيمة لتأثر بطبعها، فما بالك إذا خالطت إنساناً؟ فإن من باب أولى أن تتأثر به قال صلى الله عليه وسلم: (الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم) لاحظ أن هؤلاء لما خالطوا الإبل وهم رعاة إبل، يصيحون بها، يعسفونها، يريضونها، ينيخونها، يعالجونها، يتابعونها؛ أورثت هذه الحالة في أنفسهم فخراً وخيلاءً في الغالب، ولاحظ حال أهل الغنم السكينة والوقار في أهل الغنم.

وأنتم يا شباب! لو دخل عليكم من هذا الباب أربعة: اثنان رعاة إبل واثنان رعاة غنم، وتحدثوا قليلاً؛ لقلتم: هذا راعي إبل وهذا راعي غنم، وهذا راعي إبل وهذا راعي غنم، كيف؟ من خلال مخالطتهم لتلك البهائم، أورثت تلك المخالطة في نفوسهم وفي حركاتهم وفي سلوكهم تصرفات دلت عليهم، فكذلك أنت من خلال مخالطتك لأشرار أو أخيار، لأبرار أو فجار، لأناس يحترمون وقتهم أو لسفلة لا يقيمون للزمن قيمة، لرجال طموحهم إلى النجوم والثريا، أو لمساكين الواحد منهم طموحه لا يتعدى نهاية خطوته، تستطيع أن تميز بين هؤلاء وهؤلاء، إما فيما يكتبون، وإما فيما يرسمون، وإما فيما يتكلمون، وإما في لحن حديثهم، قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:٣٠] ففيه فائدة أن الإنسان ربما عرف من لحن قوله، ولا يحكم على نيات البشر في لحن القول، لكنك تعرف اتجاه الإنسان عموماً في لحن قوله، أما أن الإنسان يعرف من خلال ما يخالط فهذا واضح جداً.