للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه

والسابع من الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.

فاضت عيناه بالدموع، وفي الحديث: (عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله) وفي الحديث: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله جل وعلا) لأن البكاء في السر والبكاء في الوحدة أمره عظيم، ما أكثر الذين حينما يجدون من يبكون يبكون! وكما يقول الشاعر:

فلو قبل مبكاها بكيت صبابةً بسعدى شفيت النفس قبل التندم

ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم

والإنسان حينما يحضر مع قوم يضحكون ليس من الغريب أن يضحك معهم، وحينما يجلس مع قوم يبكون ليس غريباً أن يبكي أو يتباكى معهم، ولكن الخير والفضل وقوة الإيمان وصدق اليقين أن يبكي وحده، أن يبكي ولا يراه إلا الله، أن يبكي وحده في سيارته أن يبكي وحده في حجرته، أن يبكي فيما بينه وبين نفسه، أن يبكي بكاءً لا يعرفه من حوله، تنحدر من عينه قطرات ساخنة ودمع حار متتابع، يسيل على وجنتيه ولا يعرف من بجواره أن فلان بن فلان أبكى، أما الصياح والضجيج والنياح والبكاء ورفع الأصوات والمبالغة في هذا، فمن الناس من بكاؤهم في خير وبكاؤهم في صدق، ومن الناس من ترى فيهم تكلف البكاء أو تكلف التباكي إلى أمر يخرجهم عن حدود مقبولة في الغالب.

يقال: إن الشافعي أو غيره مر برجل يبكي في المسجد، وقال: ما أطيب هذه الدموع ولو كانت وحدك لكانت أطيب.