للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطة إجهاض مناعة المجتمع]

عباد الله! إن من خطط الأعداء، ومكائدهم في إفساد المرأة، إجهاض مناعة المجتمع، أو تخفيف المناعة تجاه كل وافد غريب رويداً رويداً، فالمجتمع المسلم وإن كان له شيء من الضعف، فإنه ينفي الخبث عن نفسه، ويحارب العقائد المنحرفة، ويكره الأخلاق الفاسدة، وهو بذلك يملك مناعة تقيه الانحراف، ولذلك حرص الأعداء على إضعاف مناعة المجتمع المسلم، حتى يفقدوه الغيرة على دينه، والحمية لعقيدته، وحتى يوطنوه على قبول كل جسم وافد غريب.

وعند ذلك يصبوا في المجتمع -وبلا مقاومة تذكر- ما شاءوا من ألوان الفساد، قد كان ذلك الإجهاض من خلال إبراز صور المخالفات هنا وهناك، فالنفوس تقشعر من المنكر أول مرة، وفي المرة الثانية تخف تلك القشعريرة، وفي الثالثة لا تبالي بالمنكر، وفي الرابعة تبحث عن مسوغ له، وفي الخامسة تفعله، وفي السادسة تفلسفه.

ومن صور إضعاف المناعة في المجتمع المسلم، هذه الفضائحيات -وليست الفضائيات- هذه الفضائحيات وأشد ما ابتلينا به من هذه الفضائحيات تلك التي تكلمت بلغتنا، وخبرت مجتمعاتنا وبيئتنا، هذه الفضائحيات الفاضحة والمجلات الماجنة والصحف العارية، التي لا تبالي أن تظهر المرأة بكل صورة مخزية، ولا زالت كثير من البيوت تمتلئ بالبعث المستورد، ولا زالت تلك الفضائحيات الفضائية تمطرنا بوابل من الفساد، وكثير من الناس عن هذا غافلون، أو بهذا راضون.

عباد الله! إن نشر الفكر المنحرف من خلال الحوارات الساخنة، أو المقابلات التي تنشرها تلك الفضائحيات، التي يجمع فيها بين الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والغث والسمين أحيانا، والباطل والضعيف، والغث والجهل المركب في أحايين كثيرة، إن ذلك يعود الناس على سماع مثل هذا الكلام، إن ذلك يعود الناس على جعل قضايا مسلمة ليست محلاً للحوار أو الخلاف أو المناقشة أو الأخذ والرد، يجعل قضايا من أمور العقيدة محلاً للطرق والحوار والأخذ والرد والقبول والامتناع.

إن كسر الحاجز النفسي بين المسلم وغيره من الكفار، مما تصوره تلك الفضائحيات، وتمرره بحجة مصطلحات عجيبة براقة، فتارة باسم التواصل الحضاري، وتارة تحت النوافذ المشرعة، وتارة تحت الحوار في الهواء الطلق، وغير ذلك من المصطلحات التي لم تنضبط بعناوينها، بل تحولت إلى فوضى فكرية تفسد عقائد الناس وأخلاقهم وآدابهم.

ولسنا بهذا ندعو إلى الانزواء والتقوقع، أو أننا ننكر أن لدى الأمم الأخرى حسنات وتقدماً وعلماً، إذ الإسلام لا يمنعنا أبداً أن نأخذ عن غيرنا أحسن وأفضل وأطيب ما بلغوه من مكتشفات ومخترعات، إذ أن العلوم ليست ملك أمة بذاتها، ولا هي مقصورة على شعب بعينه، بل هي ملك جميع الشعوب بكل أممها وجميع أجيالها، وأمتنا لها في ذلك والحمد لله القدح المعلى والنصيب الأوفر، ولذلك فلا مانع في الإسلام من الاستفادة من كل تقدم صالح، أو علم نافع، إذ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

لكن الذي يمنعه الإسلام ويستنكره بل يحاربه، أن تضيع شخصية الأمة، وأن يذوب شبابها وبناتها، وأن نفقد الذاتية، وأن نتخلى عن الكيان، وأن ننتمي إلى غيرنا وأعدائنا، ونتجرد من صبغتنا {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:١٣٨] ثم نذوب في الأمم الأخرى، فذاك وايم الله هو العار الذي لا يقبل.

إن الإسلام يفرض على المسلم أن تكون له شخصية مستقلة متميزة، ولا تجيز له أن يقلد الآخرين، أو يتشبه بالكافرين في أمورهم الخاصة بهم أبدا؛ لأنه يريد منه أن يكون هو القدوة والأسوة والمرشد، لا أن يكون ذنباً وذيلاً وتابعاً ذليلا {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:١٨].