للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الإسلام والأديان الأخرى في النظر للمعوقين والفقراء]

نظرة الإسلام لمن ابتلي بشيء من هذه البلايا أنه عين الرحمة، وعين القدر واللطف، وعين العدل من الله جل وعلا، لا كما ينظر إليه اليهود والملاحدة والنازية الذين قال زعيمهم هتلر: ينبغي أن نحرق كل من ليس للمجتمع منه نفع في الأفران ونصهرهم حتى لا يكونوا عبئاً على المجتمعات، هذه نظرة النازية، ونظرة الشيوعية، ينبغي أن يزهق كل من ليس للمجتمع فيه نفع أبداً، ويقول أحد مفكري اليهود -وليس من مفكريهم، بل هو والله من معتوهيهم ولو كان مفكراً، لهداه فكره إلى الإسلام- يقول: ينبغي ألا نتصدق على الفقراء، لأننا إذا تصدقنا عليهم، قادهم ذلك إلى النكاح فتزوجوا، ثم انتشرت ذرية فقيرة، ومن بين هذه الذرية ذريات أخرى، فتعظم مشكلة الفقر، فعلى ذلك ينبغي أن يترك الفقراء، ولا يتصدق عليهم حتى يموتوا ويبقى المجتمع في طبقة تنال كفايتها ورفاهيتها وجميع احتياجاتها.

هذه مفرزات الحضارة الغربية، وهذه مفرزات المذاهب الإلحادية، الله أكبر على دين الإسلام العظيم الذي جعل لكل مسلم صغيراً أو كبيراً، سليماً أو غير ذلك، جعل له منزلة ومكانة عظيمة عند الله، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه العتاب يوم أن انصرف عن رجل كفيف جاء يسأله والنبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً بصناديد قريش طمعاً في إسلامهم {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:١ - ٢] انشغلت، أو تجهمت، أو تكشرت قليلاً يوم أن جاءك الأعمى طمعاً في إسلام أولئك من الصناديد وغيرهم.

هذا خطاب رباني من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون العناية بأولئك عناية عظيمة، وحاشا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتقر معوقاً، أو غير ذلك، ولكن كان يطمع أن يلتفت إلى هذا الكفيف في وقت آخر، وهو مشغول بإسلام صناديد قريش، وكبار رجالاتها، فجاء العتاب، وجاء التعقيب سريعاً {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:١ - ٤] أما صناديد قريش {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس:٥ - ٧] هذا من معجزات ومبينات، ومن موقنات هذا الدين العظيم أن لنا فيه أعظم السعادة، وأجل الرفعة والكرامة لكل فرد من أفراد هذا المجتمع.

أيها الأحبة! هذه نظرة الإسلام إلى المعوقين، وإن كان في النفس شيء أن يسموا معوقين، بل هم-والله- رجالات المجتمع، ومنهم قادة الأمة، أليس رجلٌ قد أعيق في أطرافه الأربعة بشلل رباعي، ليس فيه إلا رأسه يهدد دولة تملك القنابل الذرية، رجلٌ معوقٌ يهدد دولة إسرائيل، وقدم، أو سيقدم للمحاكمة في فلسطين وهو أحمد ياسين الذي نسب إليه القتل، وكيف يقتل من ليس له يدٌ يبطش بها، أو رجلٌ يمشي عليها؟ شلله رباعي، ويحاكم من اليهود بتهمة القتل، والله لقد قتلهم بإيمانه وبصبره وبثباته وبتحريضه للمؤمنين على القتال.

نعم -أيها الأحبة- فنحن لا نرضى أن ينسب لمسلم أياً كان نوع البلاء الذي ابتلاه الله به، لا نرضى أن ينسب له ضعف، أو نقص، أو عجز، بل له مكانة، وله منزلة، وله كرامة، وله قيادة، وله شأن عظيم، ولو عرف قدر نفسه وقدر تكريم الإسلام له لتبوأ منزلةً مناسبةً، ولكان أعظم من مئات الأصحاء.

والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ وواحدٌ كالألفِ إن أمر عنى

لرب معوقٍ خير من آلاف القاعدين الجبناء الضالين المنشغلين عن عبادة ربهم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.