للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النصر للإسلام]

حقيقةٌ يؤكدها التاريخ، ويشهد لها أربعة عشر من قرناً من الصراع الذي لا يرحم، والنتيجة الواحدة التي لا تتغير أو تتبدل مهما عظمت التضحيات أو غلا الثمن، فالنصر للإسلام والانتشاء لنوره، هل ثمة من دين أو مذهب اجتاز رحلةً طولها أربعة عشر قرناً؟ أو حتى قرناً واحداً أو اثنين دون أن تتشعب به المسالك، أو تنحرف به الطرق، أو تضل به الأهداف.

عشرات الأجيال والمذاهب، قطعت خطواتٍ لكنها قصيرة، قصيرةً في الزمان والمكان، فما لبثت أن تعرضت لأكثر من محنة، فلم تصمد لها، بل ذابت شموعها أمام حرارة أعدائها، فتمزقت وتشتت وانحرفت عن الطريق وتفرق أتباعها شيعاً وأحزاباً.

لقد أكمل الله هذا الدين على يد رسوله الكريم ليكون دين البشرية الأخير، ومعنى هذا أنه دينٌ أُريد له أن يظل باقياً ما تنفس إنسانٌ على وجه البسيطة، دائماً ما طلعت الشمس من مشرقها، خالداً ما دامت السماوات والأرض، ولن يخشى عليه: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يبقى بيت حجر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيزٍ أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل به الشرك وأهله).

طيلة هذه القرون التالية وإسلامنا وديننا وعقيدتنا وأمتنا تتعرض لتحدياتٍ أقوى ما جابهت في كثيرٍ من الأحيان، تواجه أعداءً يفوقونها عدداً وعدداً لكن هذا الدين دائماً هو المتصدي لتحدياتها لكن ديننا هو المتقدم بصدره لمجابهتها، المنتصر عليها في نهاية الأمر، وليس ثمة من لا يعرف ما فعله هذا الدين وأتباعه إزاء هجمات الصليبيين وغزوات المغول، رد أولاها على أعقابها، واحتوى الثانية فإذا بالغالب القاهر يتقبل ويقبل الانتماء للدين، الذي يتصور أنه غلبه ثم يخضع له ويطيع.

اسألوا المغول والتتار، جاءوا يريدون أن يبيدوا الإسلام وأهله، فانقلبوا جنوداً له يدينون به، يعتقدون عقيدته، نعم هي تجربةٌ تكاد أن تكون نادرة بين سائر التجارب في التاريخ، أن يخضع غازٍ لمغزو! أن يخضع غالبٌ لمغلوب! لكنها في حقيقة الأمر غلبةٌ لغير الغازي، وانتصارٌ لمن هجم عليه، والسر يكمن في عظمة هذا الدين.