للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوبة هي الطريق الأسلم من رحلة اللهث]

وختاماً: لا نقول للشباب حتى وإن كانوا في السجون الآن، وإن كانوا من أهل المخدرات، وإن كانوا على الأرصفة والمتسكعين في الطرقات، لا نقول لهم: لا يمكن أن نستفيد منكم، أو مستحيل أن نستفيد منكم، بل نقول: نحن نحتاجكم، الصومال تحتاج إلى الإغاثة، فبدلاً من أن تضيع جهدك ونشاطك وصحتك في الأرصفة والطرقات اجعلها في سبيل الله والوقوف مع المسلمين بدلاً من أن يأتي المنصرون وينصرونهم، الفليبين بحاجة إليك، الفقراء في كل مكان محتاجون إليك، الأرامل، المعوقون، المشلولون، اليتامى، الأيامى، كفالة الغزاة، مساعدة المسلمين، دعوة الكفار إلى الإسلام، على الأقل لو تعرف جزء عم أو نصف جزء عم، لو تجلس وتعلم أناساً حديثي العهد بالإسلام لأصابك أجر وخير كثير بإذن الله جل وعلا.

أيها الأحبة! نقول لكم بلغوهم وقولوا لهم: إننا لم نستغن عن شباب المسلمين، ولم نستغن عن شبابنا وأبنائنا، ونقول لهم: إن فيهم خيراً كثيراً إذا أقلعوا عن الذنوب وأنابوا إلى الله واتبعوا سبيل المهتدين، إننا لا نحقر من شأنهم فنقول: لا فائدة منكم أبداً لا، بل فيكم خير كثير، في شبابنا خير كثير جداً، ولكن يوم أن يفتحوا الطريق للخير يتدفق من قلوبهم إلى مجتمعهم، ويوم أن يزيلوا جبال المجلات والمسلسلات ومجالس الأشرار والسيئين عن طريقهم، حينئذ سترى الخير يتدفق منهم، نحن لم يأت اليوم الذي نقول فيه أو قلنا فيه لشاب: ليس فيك نفع أبداً، ولا يمكن أن يقال هذا لشاب، حتى الشاب الذي نزوره في السجن أو في سجن المخدرات ما نقول له: ما فيك نفع، نقول له: فيك خير، ولكن أين الخير؟ له طريق وبداية، الذي يقول: ما فيك خير هذا أمر صعب جداً وربما يحطم.

الشيء بالشيء يذكر، خذوا هذه فهي تحرك الجمود: رجل كان عنده سائق، يبدو أن السائق هذا غير مسلم، فذهب به يصلي الاستسقاء صبيحة يوم من الأيام، وتعرفون أنه من السنة بعد الاستسقاء أن الإمام يقلب رداءه تفاؤلاً بتغيير الأحوال من الجدب إلى المطر، فقلب الإمام رداءه ثم قلب الناس أرديتهم، وهذا السائق ينظر إلى سيده يقلب الرداء والناس كلها تقلب الأردية، وكان الرجل متأثراً جداً من الخطبة -جزاه الله خيراً- فجاءه السائق قال: بابا أنا أيش في أقلب؟ قال: أنت اقلب وجهك! لأنه فعلاً منزعج من هذه الأحوال التي سببت انقطاع المطر والجدب والقحط، فنحن ما نقول للشاب: أنت اقلب وجهك ما فيك نفع.

أو نقول كما قال بعضهم، مجموعة من الشباب كانوا في رحلة، فأحدهم وجد هذا ينزل العفش وهذا ينصب الخيمة وهذا يأتي بالماء، قال: وأنا ماذا أفعل؟ قالوا: أنت اذهب هش الطيور! لا نحن لا نقول للشاب هذا الكلام أبداً، لا نقول له: اقلب وجهك، ولا نقول: هش الطيور، ولا نقول: ما فيك نفع؛ نقول: فيك خير كثير متى؟ إذا صدقت مع الله وتبت إلى الله، وأسدلت ستار التوبة على صفحة مضت، وفتحت صفحة جديدة كلها عودة وأوبة ورجوع إلى الله مهما بلغت ذنوبك.

لا تظن يا أخي الكريم أن التوبة لإنسان معاصيه قليلة لا، التوبة حتى ولو كان الإنسان زانياً، حتى لو كان لوطياً، حتى لو كان تاجر مخدرات أو مروج مخدرات أو كان فاجراً أو كان فاسقاً أو كان ظالماً {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] باب التوبة مفتوح لا يغلق أبداً إلا يوم أن تطلع الشمس من مغربها، أو يغرغر العبد فتبلغ روحه الحلقوم، حينما تصل سكرات الموت، وتبلغ الحشرجة في الصدر، حينما تبلغ التراق حينئذ تقول: الآن أتوب، يا أولادي، يا إخواني عندي عشرون فيلماً أخرجوها من البيت، وعندي ثلاثون شريطاً أحرقوها، وعندي خمسون مجلة مزقوها، وعندي كذا شريط أتلفوه لا، ستحاسب عليها، فالتوبة ما دمت مستطيعاً الآن:

أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان

تب إلى الله ما دام البصر الذي نظر إلى الحرام قادر أن يغض عن الحرام، قبل أن يأتي اليوم الذي تزول فيه نعمة البصر فحينئذ تقول: أتوب إلى الله من النظر إلى المسلسلات والمجلات والمعاصي -الصيف ضيعت اللبن- نعم هذا أمر بينك وبين الله، لكن التوبة ما دمت قادراً، ما بتوبة العاجز، تب إلى الله ما دمت قادراً أو يوم أن كنت قادراً على الذهاب إلى مكان المعصية، الآن تتوب وتقول لرجلك: هنا قفي، مكانك قف، لا تذهب إلى المعصية.

أما الإنسان الذي تضربه سيارة وينشل ويصاب بشلل نصفي وبعدين يقول: لا، خلاص أنا الآن لا أذهب إلى المعصية، أصلاً رجلك مشلولة كيف تذهب؟ والناس لا يعصون الله إلا بنعمته، هل رأيت أعمى يتفرج على أفلام فيديو لا.

لأن الذين يعصون الله بالنظر إلى المسلسلات الماجنة يعصون الله بنعمة البصر.

هل رأيت أصم يستمع إلى الأغاني؟ لا.

لأن الذين يعصون الله بسماع اللهو يعصون الله بنعمة السمع.

هل رأيت أبكم يعصي الله بالغيبة؟ لا.

لأن الذين يعصون الله بالغيبة الذين عندهم نعمة الكلام، وما رأيت مشلولاً يعصي الله بنعمة الذهاب إلى الفاحشة لأن الذين يذهبون إلى المنكر يعصون الله بنعمة العافية في الأقدام، وما رأيت مشلولاً يعصي الله بالسرقة لأنه لا يوجد مشلول اليدين يسرق.

إذاً: فلا يعصى الله إلا بنعمة فعيب علينا، استحوا وأستحي ونستحي جميعاً أن نعصي الله بنعمه علينا، يعطينا الله نعمة فنعصيه بها.

اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم افتح على قلوبنا، اللهم إنا نسألك في هذه المكان الطيب المبارك أن تنزل علينا توبة نقلع بها عن الذنوب وتستر بها العيوب، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، ونبوء لك بذنوبنا، ونبوء لك بنعمك علينا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

اللهم يا من سترت القبيح وأظهرت الجميل استر علينا بسترك، اللهم يا من عافيتنا وسترتنا فيما مضى فاعف عنا وأعنا على أنفسنا فيما بقي، اللهم حبب إلينا طاعتك وبغض إلى نفوسنا معصيتك، اللهم نشكو إليك قلوباً ميالة إلى اللهو، اللهم نشكو إليك أنفساً ميالة إلى الغفلة، اللهم نشكو إليك أنفساً تباعة للشهوات، اللهم فاجعل ميل نفوسنا وهوى قلوبنا إلى مرضاتك وطاعتك، حبب إلينا مرضاتك وبغض إلى نفوسنا معصيتك.

يا رب العالمين لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، يا إلهنا، يا ربنا، يا خالقنا، يا مولانا إلى من تكلنا؟ اللهم إنا نشكو إليك قسوة القلوب، وجمود الأعين، وكثرة المنكرات، وتسلط الشهوات، وقلة الناصر، وكثرة المرجفين، وكثرة المثبطين، اللهم فثبتنا على دينك يا رب العالمين، وتوفنا وأنت راض عنا.

إلهنا لا تخزنا يوم يبعثون، واغفر لنا ما لا يعلمون، واجعلنا من عبادك الصالحين، واحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.