للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبد تقي من الجيل الأول]

كان غلام مملوك لأحد العرب في زمن عبد الله بن عمر، هذا الغلام يرعى الغنم في البرية، فجاء عبد الله بن عمر ومعه صاحبٌ له ذات يوم فرأى هذا الغلام يرعى بغُنَيماتٍ، فأراد عبد الله بن عمر أن يختبر هذا الغلام الصغير، وانظروا أثر التربية في النشء كيف تصنع المعجزات وتأتي بالعجائب، قال عبد الله بن عمر لهذا الغلام: يا غلام احلب لنا شاة من هذه الشاء فقال الغلام: يا سيدي أنا عبدٌ مملوكٌ، وهذه الغنم لسيدي، وليس فيها حليب.

فقال عبد الله بن عمر وأراد أن يختبره: يا غلام اذبح لنا واحدة منها، ونعطيك مالاً.

فقال الغلام -يريد أن يتأكد هل فهم ابن عمر الكلام أم لا-: قال: قلت لك يا سيدي: أنا عبدٌ مملوك والغنم ليست لي، وأنا راعٍ فيها.

فقال عبد الله بن عمر، يريد أن يختبره أكثر: خذ هذا المال وإذا جاء سيدك فقل: أكلها الذئب.

فصرخ الغلام صرخة ونظر شزراً بعينٍ تقذف الشرر وهو يهز يده في وجه عبد الله بن عمر قال: فأين الله؟ فأين الله؟ فأين الله؟ ما أجمل هذه التربية الممتازة لهذا الصغير المملوك! فأُعْجِب ابن عمر بهذه التقوى وهذه الخشية التي في نفس هذا الغلام الراعي المملوك الصغير فقال: وأين سيدك؟ قال: العشية يأتي.

قال: فلبث وانتظر حتى جاء سيده، فقال ابن عمر للرجل: هذا غلامك؟ قال: نعم.

قال: وهذه الغنم؟ قال: هي لي، وهو راعٍ فيها.

قال ابن عمر: إني أريد أن أشتري منك هذا الغلام.

قال: أبيعك.

فاشتراه منه.

قال: وإني أريد أن أشتري منك هذه الغنم.

قال: خذ أبيعك.

فاشترى منه الغنم، فالتفت ابن عمر إلى الغلام قال: يا غلام، أنت حرٌ لوجه الله، وهذه الغنم خذها لك جزاء تقواك لله.

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].