للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منهج أهل السنة في معالجة الأوضاع]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين! جرى الحديث من فوق هذا المنبر في جمعٍ ماضية عن منهج أهل السنة في الإصلاح، ومنهج أهل السنة في معالجة الأوضاع وإنكار المنكرات والمحافظة على بيضة الأمة، والعناية بالمجتمع حتى لا تزل قدمٌ بعد ثبوتها، أو يخطئ أحدٌ بقصد الإصلاح، فيكون كمن رام نفعاً فضر من غير قصدٍ، ومن البر ما يكون عقوقاً، وأول مواضيع هذا المنهج ما سبق الحديث حوله في خطبة كان عنوانها (الجور بالقول) ثم لحقه خطبتان الأولى بعنوان: (عندما يختل الأمن) والثانية: (دور الحاكم والمحكوم في الأمن) وهذه الخطبة الأخيرة في هذا الموضوع.

أيها الأحبة! تعلمون أن منهج أهل السنة والجماعة قائمٌ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قائمٌ على الغيرة لله ورسوله، والنصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم قائمٌ على تقدير المصالح، فربما ارتكبت أدنى المفاسد لدفع أعلاها، وربما فوتت أدنى المصالح لتحقيق ما هو أعظم منها، والحديث اليوم عن صورٍ من التاريخ، اجتهد فيها المجتهدون، وكان بعضهم لا شك مريداً وجه الله والدار الآخرة، لأجل الإصلاح وإنكار المنكر، وقطع الشر ودابره، ولكن يبقى منهج أهل السنة والجماعة هو المنهج الذي ينبغي لزومه في كل منشطٍ ومكره، وفي كل عسرٍ ويسر، وفي كل صغيرٍ وكبير إذ أن الخروج عن المنهج مهما كان صلاح الخارجين عنه، ومهما كان قصدهم وتأويلهم في ذلك، سواء علموا أنهم في خروج عن المنهج أم لم يعلموا، سواءً اجتهدوا فأصابوا أو أخطئوا، المهم أن ندرك أن الالتزام بهذا المنهج يحفظ للأمة مصالح عديدة، وإن الإخلال بتطبيقه أو بمفرداته ربما أدى وأفضى بالأمة إلى هلاكٍ وعاقبة لا تحمد، أيها الأحبة، على مر عصور التاريخ بعد انقضاء زمن النبوة على نبينا أفضل الصلاة والسلام، ثم تبعه بعد ذلك منهج الخلافة الراشدة، تولى خلافة الأمة بعد رسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، وقتل إمام المسلمين شهيداً في المحراب، بفتنةٍ سبأية يهودية، ثم تلا الأمر وتولاه بعد ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة على فتنة تصيبه، ثم تولى الأمر بعد ذلك علي بن أبي طالب، وكان شهيداً من شهداء أهل الجنة، ثم تعاقبت بعد ذلك على أمم المسلمين خلافاتٌ وقياداتٌ وإماراتٌ متعددة، كان فيها من الفتن بين المسلمين أنفسهم، كان فيها من القتال بين المسلمين أنفسهم، الأمر الذي ما حمدت عاقبته بكلام أئمة السلف وليس بكلام المتأخرين في هذا العصر.