للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس]

أيها الأحباب: يقول صلى الله عليه وسلم وهو خطاب نوجهه أيضاً لأولئك الذين يتزوجون من الخارج، بلا قيد أو حساب، يقول صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ويقول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها، ودينها وحسبها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك) فلماذا نبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) إلا لأن المنابت والجذور إذا كانت فاسدة؛ فإنها تدرك الفروع والأغصان بفسادها، وقد ينقلب الفساد إلى الثمرة، ولو طال البعد وتقادم العهد ولما بين صلى الله عليه وسلم اتجاهات الناس في نكاح النساء، ومقاصدهم من ذلك، وجه إلى خير ما يسر المرء ويسعده وهو نكاح ذات الدين التي قال عنها صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، التي إن نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) بل إنه صلى الله عليه وسلم حذر من الحرص والتهافت على نكاح الجميلة الحسناء، من دون مراعاة لأي منبت نشأت فيه، فقال صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: (إياكم وخضراء الدمن) ولما سئل عن خضراء الدمن، قال صلى الله عليه وسلم: (هي المرأة الحسناء في المنبت السوء) لأن هذا الجمال الذي يبالغ البعض في تحديده ومواصفات من يرغبون بها، قد يكون سبباً للشر والبلاء إن وافق ضعف عناية تربوية أو مجتمع رديء الأخلاق والمروءة، ولا يعني هذا أن يُغفل الراغب في الزواج أمر الحُسن والجمال ويقول: يكفيني التدين أو الاستقامة والصلاح، بل لا بد مع هذا أن تكون المرأة على قدر يُرضيه ولا يصرفه عنها إلى غيرها.

ولذلك كان من توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لراغب النكاح، أن ينظر إلى مخطوبته، لعله أن يرى منها إلى ما يرغبه في نكاحها، فإن الخاطب إذا نظر إلى مخطوبته وأقدم على الزواج منها، فإنه بإذن الله يكون راضي القلب مطمئناً للنصيب الذي اختاره لنفسه واقتنع به، بدلاً من أن يأخذ في صرف اللوم والعتاب على أمه وأخواته قائلاً: إنكن قلتن: إنها كذا، وليست هكذا، ثم يأخذ في خلاف معهن إلى أن ينتهي الأمر به إلى الفرقة والخلاف، إذا لم يكن بينهم نصيب من التوفيق والرضا، ثم إن مسألة الرؤيا هي من صالح الفتاة أيضاً، وليس للرجل لوحده، إذ إن كلاً من الزوجين يقتنع ويرضى بما هو مُقدم عليه.

أيها الأحباب في الله: لقد آن الأوان أن ننبذ عادة يفعلها بعض الناس، عندما يتقدم أحد الخطاب طالباً ابنته أو أخته أو من هي تحت ولا يته، تراه يقول: هذا فلان بن فلان أهلاً وسهلاً به، أبوه فلان وأمه فلانة، ولقد نسي المسكين أنه سوف يزوج بنته لهذا الشاب المتقدم لا لأمه أو لأبيه.

وهذه مسألة ينبغي أن نقف عندها، وأن نتأملها ملياً فليس بالضرورة أن طباع الآباء والأمهات، تنتقل بالسجية والفطرة إلى الأبناء والبنات، فالواجب على الولي إذا تقدم له أحد، ولو كان يعرف أمه وأباه، أن يسأل عن الخاطب وعن جلسائه، وعن محافظته على الصلاة، وهل هو عاطل باطل أم مكتسب، وإلى أي حد هو في بره بوالديه، فإن الفتاة التي سوف يزوجها أبوها إلى هذا المتقدم أمانة، ومن ضيع أمانة الله في الصلوات والعبادات فهو لما سواها أضيع، ومن كان مضيعاً لحقوق والديه، فهو لحقوق زوجته أضيع وأسوأ حالاً في عدم الرعاية والقيام بالحقوق، وكم من فتاة كريمة صالحة، وقعت في يد شاب ليس بكفء لها ولا القرب من أهلها، تزوجها وطلقها وهي حبلى بولد أو اثنين بعد أن رأت منه المنكر والفساد في نفسه وجلسائه، وكانت تظن أنها قادمة على العيش الرغيد السعيد، بسبب ما وصف لها من صلاحه وأخلاقه.

وسرعان ما تكشفت الأمور على الحقائق أمام تلك المسكينة الضعيفة؛ بوقوعها بيد ذلك الغافل العابث، وغيرها كثير ممن سقطن وفشل زواجهن، بسبب مديح الخطاب والوسطاء في الأزواج المتقدمين لهن، وهذه مسألة يجب أن ينتبه لها، وهي حينما يُسأل أحد عن فلان من الناس، لأجل معرفته وأحواله بغرض تزويجه، فينبغي على المسئول ألا يسكت عن عيب يراه مخلاً بالدين والأمانة، وليتقِ الله فيما يخبر فإن المستشار مؤتمن.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.