للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة عظمة الخالق سبحانه وتعالى]

أيها الأحبة: المهم في الطريق إلى الجنة، بعد أن عرفت هوان نفسك: أن تعرف عظمة خالقك، أن تعرف أن كل جبارٍ فوقه جبارٌ أعظم منه، أن تعلم أن كل ظالمٍ فوقه يدٌ أقوى منه، وما من يدٍ إلا يد الله فوقها، ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم، أن تعلم أن كل غني فوقه من هو أغنى منه، بل خزائنه لا تنفد، ويده سحاء الليل والنهار، أن تعلم أن من ملك شيئاً من الجنود أن فوقه جنود السماوات والأرض لا يعلمها إلا هو، أن تعلم أن من ملك قدرة يحتاج ساعاتٍ إلى تحريكها فإن فوقه من إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن، فيكون، أن تعلم أن من تعب زمناً طويلاً ليخترع أو يصنع أن فوقه من يقبض الأرواح ولا يبالي، ومن يحيي الأجداث ولا يبالي، بل إن البشر كلهم -والله- ما عظم شأنهم على الله جل وعلا.

يقول أحد المفسرين: إن خلق الناس ليس أمراً جليلاً على الله جل وعلا، بل هو عليه هين؛ لأن البشر منذ آدم إلى يومنا هذا خلقوا بكلمة كن، فالناس يتوالدون ويتناسلون وتنتشر البشرية طولاً وعرضاً على هذه الأرض بكلمة من الله: (كن) أن يكون من كل نواةٍ تلتقي بحيوانٍ منوي أن يوجد منها المخلوق الذي قدره الله ذكراً كان أم أنثى، من أي لونٍ من ألوان المخلوقات: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:٢٨] بل وأعجب من هذا الأمر العجيب أن من خلق هؤلاء الخلق على اختلاف ألوانهم وأجناسهم لم يعجز عن رزقهم ساعة واحدة، من استكثر أمواله فليرزق أهل بلدته ساعة، ومن استكثر قوته فليحرك جبلاً من مكانه، ومن استعصم نفسه فليتسلط ولو بدقيقة بدون أمرٍ أودعه الله فيه من قوةٍ خلقها له.

أيها الأحبة في الله: إن من ضرورات الوصول إلى الجنة بعد أن تعرف هوان نفسك، أن تعرف عظمة الخالق، الذي بأمره تكون البحار نيراناً: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:٦]، الذي بأمره تتفطر السماء: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:١]، الذي بأمره تتكدر النجوم: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:٢]، الذي بأمره تحيا النفوس بعد موتها، اعرف عظمة هذا الخالق، ليس الدين قضية قصر ثياب أو طول لحية، ليس الدين قضية كذا أو كذا، الدين قبل كل شيء إدراك وشعورٌ بعظمة الخالق، يوم أن تسجد تسجد لعظيم، انظر إلى أولئك الذين عبدوا البشر في دنياهم، من الطواغيت من لا يدخل عليه أحد إلا بعد أن يسجد ويقبل الأرض بين يديه، وتجد بعض المنافقين، بل الكفرة الذين يسجدون للطواغيت من دون الله، يوم أن يقبل بلاط سيده ومولاه يشعر بكل عظمة أن يقبل التراب والبلاط بين يدي عبدٍ حقيرٍ ذليل، فما بالك وأنت تحني الجبهة إعظاماً لله جل وعلا؟! فما بالك وأنت ترمي هذه الهامة من طولها على الأرض لوجه الله جل وعلا، وتقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، وتحني جسمك وجذعك وتقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم؟! أيها الأحبة: حتى ندرك ما نحن بصدده ينبغي أن نعرف: نبذل الصلاة لمن؟ ونسجد لمن؟ وندعو من؟ ونرجو من؟ ونخاف من؟ ونهاب من؟