للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجبنا تجاه هذا الداء العضال]

إنني من هذا المكان أقول: إن الإعلام لا يزال مقصراً في إعطاء هذا الجانب المكان الكافي والوقت المناسب لمحاربته وتحذير الناس صغاراً وكباراً من شره.

إن الإعلام يدخل كل دار بلا استئذان، وعليه أن يجعل أوقات الذروة والساعات الذهبية لمكافحة هذا الداء العضال، لمكافحة هذا المرض والسم الزعاف الذي انتشر سراً بين كثير من الناس وأصبحت تفجع وتفاجأ بأن بيت بني فلان فيه الأطهار والأبرار يقع فيه فتى أو فتاة في أضرار وأسر هذه المخدرات!

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

وقعوا فيها قبل أن يحذروا منها، قبل أن يعرفوا عنها، استدرجوا إليها، استنزلوا من عصم مواقعهم إلى أوحالها ودركاتها فوقعوا فيها وهم لا يعلمون، ولما علموا دخلوا دائرة الإدمان، ولا سبيل إلا بالتوبة، ولا سبيل إلا بالرجوع والإنابة إلى الله جل وعلا.

وأنتم يا معاشر المصلين! خير من يملك حِبالاً ترمون بها إلى الذين يصارعون الموج غرقى يوشك أن ينحدروا إلى قاع أبحر المسكرات والمخدرات، الدعوة إلى الله من أهم الأسباب التي تبين للناس أخطار هذا الداء العضال، الشريط الإسلامي والكتاب والنشرة الموثقة من الأسباب المهمة التي ينبغي أن نقوم جميعاً يداً واحدة لنشرها بين الناس، وإن الواقع يحتاج إلى إصلاح في القاعدة كما يحتاج إلى إصلاح في درجات أخرى، والقاعدة: هم الناس، هم العامة، هم أبنائي وأبناؤك، أخواتي وأخواتك، أقاربي وأقاربك.

لابد أن نسعى إلى إصلاح هذا الواقع لا أن نتفاخر بدش يجر عشرين قناة أو أربعين محطة:

يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

تصوروا لو أن الأفلام المتحركة أو ما يسمى بالكرتون الذي يستغرق من البث الإعلامي قرابة الساعة أو أكثر من الساعة يومياً أعطي مثله أو محله أنشودة في التحذير من المخدرات، وقصة في التحذير من المخدرات، ورواية في سوء عاقبة أهل المخدرات، وأحكام وأحاديث وندوات في الأوقات الذهبية، أقول: في الأوقات الذهبية؛ لأن الحديث أثناء خروج الناس من بيوتهم لا يراه إلا نزر يسير، والشاشة جمهورها عريض فلا حاجة أن يخاطبوا عبرها يوم أن يجتمعوا حولها هذا من النصح والتناصح، لا خير فينا إن لم نتناصح، بل نكون خونة، وأقول هذا لكم أنتم لتتقدموا ببرامجكم الإعلامية إلى كل كاتب وروائي ومحدث وواعظ ومتكلم وطالب علم، عليك السعي أن توجد ساعة أو بضع ساعة ليكون لك صوت في نداء الناس وتحذيرهم من هذا الشر الذي ابتلي به الناس.

ثم أيضاً نحتاج أن نخاطب الذين يستهدفون بالمخدرات في مواقع تجمعاتهم، لا أن نقيم ندوة يحضرها من الأساتذة والمربين والأفاضل فنقول لهم: هذه أضرار المخدرات، أولئك يعلمون عنها علماً أكثر مما يتكلمه المتكلم، بعبارة أوضح: أين يجتمع الشباب؟ على مدرجات الملاعب الرياضية، فليرحل فريق من الدعاة إلى الملاعب الرياضية، وليأخذوا ما استطاعوا ولو بين الشوطين ليقولوا للشباب: هذا سم زعاف تستهدفون به، وليقولوا للشباب: احذروا قبل أن تقعوا، فدرهم وقاية خير من قناطير العلاج، نحدث الشباب في كل مكان يجتمعون فيه، أما أن تكون ندوة المخدرات أمام خمسة أئمة، وعشرة مؤذنين، وأربعة أساتذة، وثلاثة موجهين كل هؤلاء ما وقعوا ولن يقعوا بإذن الله فيها، الحديث لمن وقع أو في الطريق إلى الوقوع ذلك أمر مهم يجب أن نعلمه أيها الأحبة.

وختاماً: فإن مستشفيات الأمل تدعو كل ذي غيرة، وكل ذي كلمة، وكل ذي قلب رحيم، وكل ذي محبة لإخوانه أن يزورهم ويهديهم الكتاب، والشريط، والنشرة الموثقة، والكلمة الطيبة، والدعوة الصادقة.

ما أكثر الملتزمين! ما أكثر المتدينين! ما أكثر الصالحين في مجتمعنا! ولكن أخشى أن نكون كما في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة).

والله لو أن كل عشرة من الشباب المتدين جعلوا لهم برنامجاً في سجون الأمل وفي الإصلاحيات، وجعلوا لهم أصدقاء من أهل السجن لماذا لا نشكل جمعية أصدقاء السجناء، نتعهدهم بالزيارة، بالكلمة، بالشريط، بالدعوة، بالحديث، لماذا لا ينظم الشباب حفلات ترفيهية هادفة واعظة نافعة مرحة تجر أولئك إلى الالتزام والاستقامة؟ لماذا لا ينظم الشباب المتدين برامج العناية والرعاية اللاحقة أول ما يفرج عن سجين المخدرات يتولاه أولئك الأخيار حتى لا يعود من جديد إلى قافلة السكر والمخدرات.

إن المصيبة أن تجد كثيراً من النزلاء قد حل السجن قبل هذه المرة الأخيرة سبع مرات أو خمس مرات أو ثلاث مرات هنا مشكلة، هنا حلقة مفقودة، هنا قضية ينبغي تحديد السؤال عنها، وتشخيص العلاج لها: الرعاية اللاحقة.

أيها الأحبة! من السهولة أن نقول: تلك مسئولية الإعلام وحده، أو مسئولية الداخلية وحدها، أو مسئولية الجهات التربوية وحدها، علينا أيضاً مسئولية {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:٧١].

وختاماً: هذه نصيحة من رجل بيننا وبينه قرون، أبعثها بالنيابة عنه، هو ابن رجب الحنبلي، من علماء المسلمين، يقول رحمه الله: يا شارب الخمر لا تغفل، يكفيك سكر جهلك، لا تجمع بين خطيئتين، يا من باشر هذه النجاسة بفمه اغتسل منها بالإنابة، وقد زال الدرن، طهروا درن القلوب بدمع العيون، فما يجلوها إلا التوبة، يا من درن قلبه بوسخ الذنوب لو اغتسلت بماء الإنابة لتطهرت، لو شربت من شراب التوبة لوجدته شراباً طهوراً، يا أوساخ الذنوب، يا أدران العيوب هذا مغتسل بارد وشراب، مجالس الذكر للمذنبين، شراب المواعظ، شراب المحبين، ترياق المفرطين {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:٦٠] قد أدرنا عليكم شراب التشويق ممزوجاً بماء التخويف فبالله لا يبقى أحد منهم إلا وقد أناب إلى الكريم الوهاب، أليس من أهل الشراب من يبكي؟ أليس منهم من يضحك؟ أليس منهم من يطرب؟ أليس منهم من يتملق الناس ويتعلق بهم؟ أليس منهم من تثور نفسه فلا يرضى إلا بأن يطلق أو يضرب بالسيف ومنهم من ينام؟ فهكذا شراب المواعظ يعمل في السامعين: فمنهم من يبكي على ذنوبه، ومنهم بعد توبته من يضحك ويعجب من سالف عهده، ومنهم من يفرح لمحبيه وأحبابه، ومنهم من يتشبث بأذيال التائبين الواصلين لعله يعلق خطام راحلته على قطارهم، ومنهم من لا يرضى حتى يبت طلاق الدنيا ثلاثاً، أو يقتل هوى نفسه بسيف العزم، ومنهم من لا يدرى:

أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم وكيف يطيق النوم حيران هائم

فلو كنت يقظان الفوائد حرقت محاجر عينيك الدموع السواجم

بل أصبحت في النوم الطويل وقد دنت إليك أمور مفظعات عظائم

تسر بما يفني وتفرح بالمنى كما سر باللذات في النوم حالم

نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم

وتدأب في ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم

أيها الأحبة! فلنكن عناصر فاعلة، ورموزاً نافعة في معادلة إصلاح المجتمع، علينا أن نقوم بدورنا تجاه هذه الأمة التي بليت بفتن تشق صفوفها في داخلها، وتفرق اجتماعها، وبليت بمنافقين يتربصون بنا الدوائر وينصبون الفخاخ ويفرقون الشمل، وبليت بأعداء {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران:١٢٠] فيا أحبابنا انفعوا، اعملوا، اسعوا، ابذلوا، ادعوا، ناصحوا، أعينوا، ادعوا الله، فإن لم تستطيعوا أن تفعلوا من ذلك شيئاً فلا تكونوا أعواناً للباطل على أهل الحق، ولا تكونوا دعاة للباطل من حيث لا تشعرون (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم جنبنا الخمر وأسبابها، اللهم جنبنا المخدرات وسبيلها، اللهم اشف المدمنين، اللهم اهد المروجين، اللهم عاف المتعاطين، اللهم سلمهم من دائها وبلائها، وتب علينا وعليهم يا رب العالمين، اللهم أعن رجال الأمن على مزيد من الحيطة والحذر والتفتيش الدقيق الذي لا يحابي أحداً في التفتيش والمحاسبة على كل ما يرد عبر أي حد أو مرفأ أو ميناء أو مدخل، اللهم ارزقهم الغيرة على دينهم وعلمائهم وولاة أمرهم وعامتهم والمسلمين أجمعين.

اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في الفليبين، اللهم اجمع شمل المجاهدين في أفغانستان، اللهم أصلح حال المجاهدين في أفغانستان، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا، ولا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، ربنا أعنا وثبتنا ولا تفتنا.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته يا واسع المغفرة، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.

اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على الحبيب، اللهم صلِّ على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، اللهم صلِّ على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد فيك حق جهاده، اللهم صلِّ عليه وسلم تسليماً كثيراً ما تتابع الليل والنهار، وما ذكره الذاكرون الأبرار والأخيار، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥] ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.