للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإحسان إلى الناس]

ألا يا شارد الذهن! ألا يا قلق الضمير! ألا يا جزع القلب! ألا يا خائفاً من المستقبل!

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ فطالما استعبد الإنسان إحسانُ

الإحسان إلى الناس بالقول والعمل نافعٌ بإذن الله يورث محبة الخلق.

ومن أسباب السعادة: أن يكون الإنسان محبوباً بين أقرانه وأقاربه وجيرانه، ومن حوله، فاشتغل بالإحسان إلى الخلق بكل ما استطعت أن تشتغل به، ليس من شرط الإحسان إليهم أن تمد لهم ريالات ودراهم ودنانير، ولا من شرطه أن يكون الإحسان في حالة معينة، أحسن إلى الخلق بما استطعت، بأي عملٍ تستطيعه, وأسباب الخير كثيرة.

هل تعلم أسرة فقيرة مسكينة سجن عائلها، أو غاب وليها، أو مات عائلها، ألا فاشتغل بمثلها وبغيرها، اجمع ما استطعت من لباسٍ وأوصله إليهم في ليلة ليلاء، اجمع ما شئت من بطانيات، وأدخل بها عليهم في ليلة شاتية، اجمع ما استطعت من طعام، وأسعد وسد بها جوعتهم في يوم من الأيام، فإنك تجد بذلك سعادة تغمر فؤادك ونفسك كسعادة الصائم حين يفطر، وسعادة المتهجد حينما يبزغ الفجر.

أحسن إلى الناس؛ إن تجد كفيفاً فأعنه على قضاء حاجته، يوم تجده يذهب يمنةً ويسرةً في دائرة لا يعرف أين يقبل ويدبر، إن تجد أخرق لا يحسن أن يتصرف خذه معك، إن تجد عاملاً قد تصبب العرق على ثيابه وملابسه، وقد فاحت رائحة بدنه من كد التعب وشقاء العمل، فقف بسيارتك مهما كانت فارهة نظيفة معطرة واحمله معك، ولا بأس- إن لم تكن مرتبطاً على ميعاد- أن تذهب به إلى مكانه، ولو اقتضى ذلك منك مزيد ساعة، أو نصف ساعة، إنه عمل يجلب إلى نفسك السعادة، ويطرد الهموم، وتشعر أنك حققت شيئاً.

وما سبب هذه الهموم إلا أن بعض الناس يشعر أنه صفرٌ على الشمال، كمٌّ لا فائدة منه، جنسٌ لا يستفاد منه، فإذا شعرت أنك أفدت واستفدت، ونفعت وانتفعت، كان ذلك سبباً في سعادتك، ومن ثم لا بقاء للهم والغم في فؤادك، يقول الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:١١٤] من الذي وعد؟ ملك من الملوك؟ أمير من الأمراء؟ وزير من الوزراء؟ قاضٍ من القضاة؟ لا.

بل الله الذي وعد.

{فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:١١٤] والله لو وعدت بمنحة، أو وعدت بمال، أو بدرهم ودينار، لوجدت السعادة تغمر قلبك إن كنت محتاجاً، أو مرتقباً ذلك الموعود، فما بالك يوم أن يعدك الله بأجر، وليس أجراً فحسب، بل: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:١١٤].

{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:١١٤] كثيرٌ من الكلام لا فائدة منه، وكثيرٌ من السعي لا جدوى فيه, وكثيرٌ من العمل لا فائدة بعده إلا من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاحٍ بين الناس: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:١١٤].