للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من رحمة الله عدم محاسبته على حديث النفس]

الطبيب حينما يكشف عليك ويقلب السماعات على صدرك -والحمد لله أن السماعات ما تخرج ما في القلوب لو أن السماعة تخرج ما يفكر به الإنسان لما ذهب أحد للمستشفى؛ لأن الناس في نفوسهم الشيء الكثير الكثير، ومن رحمة الله أن الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل) يعني: حديث النفس معفو عنه، قال جل وعلا: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٨٤] قال الصحابة: يا رسول الله! إن كان الذي نبديه نحاسب عليه، وإن كان الذي نخفيه نحاسب عليه فقد هلكنا، فأنزل الله جل وعلا: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:١٨٤ - ٢٨٦].

فإذا كان حديث النفس مما لا يقدر الإنسان على رده وكبحه، وإذا كانت خطرات الفكر مما لا يستطيع الإنسان أن يردها فحينئذٍ يعفى عن ذلك، وقال الله جل وعلا حينما دعاه المؤمنون، قال: قد فعلت قد فعلت {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:٢٨٦] وفي كلٍ يقول الله: قد فعلت قد فعلت، فالله جل وعلا لحكمة سلمنا وعافانا من حديث القلوب وما يدور في الخطرات، الحاصل أنك حينما تذهب إلى الطبيب ثم يعطيك الكبسولة الحمراء والكبسولة الصفراء والكبسولة الخضراء فإذا ذهبت إلى الصيدلي وأعطيته الورقة وقلت له: تفضل الطبيب كشف عليَّ وأعطاني هذا العلاج، فقام الصيدلي ونظر ما كتب الطبيب فأخذ كبسولاتٍ صفراء وحمراء وخضراء، لا يمكن أن يقول أحد: يا أخي! أنا هلالي أريد كبسولة أزرق وأبيض، أو أنا نصراوي أريد كبسولة أصفر وأزرق! لا.

القضية ليست أنسجة وهوى، المسألة مسألة حكمة الطبيب يعرف أنما يناسبك من الدواء الكبسولة الزرقاء والخضراء والحمراء لا تتجاوزها.

إذاً: فليست هوى، أتظنون أن الطبيب الذي يصرف لك من الدواء ما يناسبك ولا يتعداه إلى ما تشتهي أو تهوى يعطيك الدواء المر وأنت تشتهي الحلو، ويحرمك هذا الحلو ويختار لك المر، الطبيب يفعل ذلك لحكمة، أفتظن أن الله حرم عليك شيئاً وأباح لك شيئاً إلا لحكمة؟! الله أكبر! الله جل وعلا ما شرع عبثاً وما خلق عبثاً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ} [المؤمنون:١١٥ - ١١٦] تعالى الله يجل ربنا جل تعالى تقدست أسماؤه تنزه ربنا أن يحرم علينا أشياء هوى، أو أن يأمرنا بأشياء مزاج وإنما هي لحكمة، وقد عرفنا أن الطبيب يأمرك لحكمة وينهاك عن حكمة، ويأمرك بأكل هذا الطعام وينهاك ويحجبك عن الطعام الآخر لحكمة، فإن الله أحكم الحاكمين يوم أن يقول وينهاك أيها العبد الفقير الذليل المسكين يوم أن ينهاك عن الربا وينهاك عن التحاكم إلى غير شرعه، وينهاك عن الظلم، ويأمرك بالصلاة، ويأمرك على لسان نبيه بإعفاء لحيتك، ويأمرك بترك اللهو، ويأمرك بترك المعاصي، ليس ذلك عبثاً وإنما ذلك لحكمة جليلة.

إذا عرفنا ذلك -أيها الأحبة! - فإن كل خصال الدين مبنية على الحكمة، والله جل وعلا لا يقدر عبثاً.