[لا عزة إلا بالإسلام]
أيها الأحباب: فكما أن التاريخ يعيد نفسه، ويصور تلك المأساة التي كانت للمسلمين في أواخر القرن الخامس الهجري، ونحن نراها الآن في القرن الخامس عشر أي: بعد عشرة قرون، فإنا في هذه الساعة وفي هذه اللحظة وفي نفس الوقت نسأل عن شباب المسلمين آنذاك، لقد كان شباب المسلمين في تلك العصور وفي تلك الحقبة كانوا شباباً رهباناً بالليل فرساناً بالنهار، صوامين قوامين، ما عرفوا الخلاعة والمجون، وما عرفوا التهتك ولا التخلف، ولا التشبه بالنساء، وما عرفوا ضياع الرجولة، أو ذهاب الشيمة، أو ضيعة الإباء والشمم، ما عرفوا إلا جدية ورجولة وفروسية، وقبل ذلك وبعده عزاً بالإسلام يعتزون به، الشخص منهم يكفيه فخراً أنه مسلم وليس بعد هذا فخر، يعتز بأنه مسلم، ويفخر بأنه مسلم، وحق له بهذا الفخر، أوليس الله عز وجل يقول: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:٢٢١]، {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة:٢٢١] مهما أوتوا من الأموال، فإنهم يدعون إلى النار، ومهما كان عندهم من الثروات فإنهم يدعون إلى النار، ومهما اكتشفوا واخترعوا وتسخرت لهم أسباب المدنية وسبل الحضارة فإنهم بها ولها يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه، والله يدعو إلى دار السلام، ويدعو إلى الحق وإلى الهدى.
إذاً: فأول قاعدة نبنيها ونضعها ونوصيكم معاشر السامعين بفهمها والتيقن بها: أن نعتز بالإسلام وليس بغير الإسلام عزة، تباً وسحقاً وبعداً لرجل يعتز بثيابه وينسى أن يعتز بدينه، يعتز بمركبه وينسى أن يعتز بدينه، ويعتز بجنسيته وينسى أن يعتز بدينه، ويعتز بمبانيه وبما عنده وينسى أن يعتز بدينه، فهو حقير كسير مسكين ليس له في هذه الحياة حظ من العزة لا في قليل ولا في كثير.
أيها الأحباب: أقول هذا لأن أعداء الإسلام تسلطوا علينا وعلى شبابنا خاصة عبر وسائل الإعلام المختلفة، عبر الأفلام، وعبر المجلات، وعبر المسلسلات، وعبر الأقمار الصناعية، والقنوات، وعبر كثير من السبل جاءونا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا، وأرجفوا بالناس من تحتهم ومن فوقهم، لا يريدون إلا أن يضلوهم عن طاعة الله، {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ} [البقرة:١٠٥].
أدنى الخير أو ذرة من الخير فأسأل الله أن نكون ممن خصوا برحمة الله، وخصوا بعزة في دين الله، وبرفعة في طاعة الله، وبمحبة من الله عز وجل، أولئك كما قال الله عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩].
أيها الأحباب: على الرغم من تخلف المسلمين في مجال التقنية والتسلح، وعالم الفضاء والإلكترونيات، وكثير من المجالات، على الرغم من تخلف المسلمين وتقدم الكافرين في كثير من المجالات إلا أن الكفار لا يزالون ينظرون ويرون أن المسلمين أرفع وأكبر وأعلى قدراً منهم، ومن ثم يريدون أن ينزلون بهم من مستعصم عليائهم إلى منخفض جاهلية الكفار، فيكونون سواء، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩] إذا كنا نظن أننا في الدون والكفار في العلو فإن الكفار لا يتمنون أن يرتفع المسلمون ويكونون معهم في درجة واحدة، لكن معنى هذه الآية: يدل على أن الكفار حينما يرون المسلمين متمسكين بالإسلام فهم يرونهم في رفعة وفي عزة وفي علياء، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} فتهبطون وتنزلون {فَتَكُونُونَ سَوَاءً} ويأبى الله ذلك، ويأبى المؤمنون الصادقون ذلك، وإن النصر بإذن الله لقريب إذا وجدت أمة تستحق النصر، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:٤٠ - ٤١].
يا شباب الإسلام! ويا أيها الشباب! والحديث لكم، ومن ثم منكم إلى إخوانكم على مقاعد الدراسة، وعلى مقاعد العمل، وفي جوار المنازل، وفي مناسبات تجتمعون فيها وتلتقون فيها، أنتم رسل هدى ورسل خير، فلا يظنن أحدكم أن قصارى مهمته وأن مبلغه من الخير والصلاح أن يحضر محاضرة ثم ينتهي، نعم جزيت خيراً على حضورك، وأثابك الله على مجيئك وعلى ما تركت من أعمالك وتركت من أشغالك لتسمع آية وحديثاً، وتوجيهاً ونصحاً، ولكن الأمر لا ينتهي عند ذلك، الحديث الليلة والحديث في كل ليلة حينما يكون في كلام الله ورسوله رسالة إلى السامع وليبلغ الشاهد الغائب، وليبلغ السامع من لم يسمع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب مبلغ أوعى من سامع) ولو لم يكن لك إلا دعوة هدى: (ومن دعا إلى هدى فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيئاً).
أيها الأحبة في الله: لا يشك شاب عاقل عنده أدنى بصيرة وأدنى معرفة:
اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
إن اليهود والنصارى حتى هذه اللحظة وقبل هذه اللحظة وقبل سنين لا يزالون يتربصون بنا كما قال الله جل وعلا: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة:٢١٧].
ذلك المنهزم التي انطلت عليه دعايات الكفار، ذلك المخدوع الذي وقع في الفخاخ، ذلك المسكين الجاهل المقلد الذي نصب له الشرك فوقع فيه من أول خطوة وأول لحظة.