للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إصابة الأمة بالوهن]

حديثنا عن الوهن، تلكم المصيبة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، والوهن هو: الضعف والخذلان، وما يسمى في اصطلاحات العصر الحاضر تحكم النفوس وانكسارها وضيعة عزتها، وذهاب شموخها، ورضاها بالذلة وقناعتها بالدني والردي والقليل دون الكثير، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم:٤] من الضعف، ويقول تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران:١٣٩] من الضعف والرضا بالسلم والمصالحة من الأعداء عند أدنى الحظوظ.

فالوهن اصطلاح يدل على الضعف، فكل شيء ضعف فقد وهن، وما أضعفك فقد أوهنك.

جاء بيان هذا الأمر والإخبار بأن الأمة سوف تصاب به في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا.

أنتم يومئذ كثير) وأقف لحظة عند الكثرة، لو ضربنا مثلاً بسيطاً جزئياً على مسألة الوهن، ألسنا نحن جميعاً في هذه المظلة وفي هذا المسجد جمع لا بأس به من الكثرة، نعم.

نحن بالنسبة لحجم المسجد جمع كثير لكن أين نفعنا؟ أين بلاؤنا؟ أين سعينا؟ أي عمل نفعنا به أمة الإسلام؟ أي سعي جعلنا به الدعوة إلى الله تنطلق خطوات إلى الأمام؟ إذاً حتى جمعنا الذي نتحدث معه فينا ومن بيننا وهن عظيم، أقول هذا حتى لا نظن أننا نتحدث عن أمة أو كوكب أو جماعة بعيدين عنا، بل نتحدث عن مصيبة تمثلت في طولنا وعرضنا وأجسامنا ولحومنا، مصيبة حلت في نفوسنا، (قالوا: أومن قلة نحن يا رسول؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل؛ يصيبكم الوهن وينزع الله المهابة منكم من صدور أعدائكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) بين صلى الله عليه وسلم السمة والعلامة الواضحة الجلية، في أمة تصاب بالوهن، ألا وهي: (حب الدنيا وكراهية الموت) نعم -يا عباد الله- كلنا إلا من رحم الله قد أصبنا بهذه البلية، واجتمع هذا المرض في مجموع أفراد الأمة، فوهنت وضعفت عن مواجهة أعدائها وعن الوقوف بمواقفها التي ينبغي لها أن تكون متسلمة للقيادة فيها.