للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[احفظ الله يحفظك]

إن الهداية شأنها عظيم، يحفظ الله بها عبده: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:١١] قال ابن عباس: [هم الملائكة يحفظونه بأمر الله جل وعلا].

أيها الشاب: إن اهتديت فأنت بإذن الله في عصمة بعد الهداية وملازمة إخوانك والحرص على طلب العلم ومجالس الذكر، وأنت بإذن الله في حصنٍ حصين ومكانٍ أمين بعيدٍ عن الشبهات والشهوات، قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:٢٤].

أيها الأحبة أيها الشاب: إن اهتديت فأنت معك فئة لا تغلب، وحارسٌ لا ينام، وهادٍ لا يضل.

وقال قتادة: [من يتق الله يكن معه، ومن يكن معه نجاه:] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨] الهداية ستجعل عافيتك قوية، وحواسك نافعة، وجوارحك بإذن الله تنفعك حتى آخر لحظة من حياتك.

كان العلامة القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي المتوفى سنة (٤٥٠هـ) قد جاوز المائة من عمره وهو ممتعٌ بقوة وعقل، فوثب ذات يوم وثبة شديدة، فعوتب في ذلك وقالوا له: كيف وثبت هذه الوثبة وعمرك قد جاوز المائة؟ قال: هذه جوارح حفظناها عن معصية الله في الصغر، فحفظها الله لنا في الكبر.

هذه الهداية أيها الشباب! فأقبلوا وأقدموا عليها، ووالله إن المحروم من حرم الهداية وأعرض عنها.

نقول: هذا عسلٌ مصفى، فيقول بعض من أريدت به الضلالة أو اشتهى الضلالة: لا.

أريد ماء مكدراً نجساً مخلطاً.

يقال: هذا عودٌ طيبٌ طاهرٌ ورائحة طيبة، فيقول: لا.

أريد رائحة فيها نتنٌ وفيها ذخرٌ ونجاسة.

يقال: هذه رفعة، فيختار ذلة.

يقال: خذ كرامة، فيختار هواناً.

يقال: خذ خيراً كثيراً، فيختار شراً وفيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الأحبة: إن لذة الحياة وجمالها وقيمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في طاعة الله التي لا تكلف الإنسان شيئاً سوى الاستقامة على أمر الله وسلوك طريقه ليسير المهتدي بعد ذلك مطمئن الضمير، مرتاح البال، هادئ النفس، دائم البشر، طلق المحيا، وأبشر والله لو صممت وعزمت واجتهدت وحرصت على الهداية فإن الله يدنيها إليك، ويقربها بين يديك.

أخي الكريم: إنك إن أعرضت عن الهداية واخترت الضلالة فلا تزال في نكدٍ وكبدٍ وضيقٍ وانقباضٍ وشكٍ، وانظر إلى أحوال الضالين الذين دعوا فلم يستجيبوا، ونصحوا فلم ينتصحوا، وأهدوا الشريط فلم يسمعوه، وقدم لهم الكتاب فلم يقرءوه، ودعوا إلى المحاضرة والمخيم والندوة والفائدة فلم يلتفتوا إليها، انظر ما هم فيه من حال: سهرٌ على معصية، نومٌ عن صلاة الفجر، تفوتهم المنافع والأرزاق، في الصباح في شقاقٍ مع أزواجهم، في مصائب، المعاصي تقودهم رويداً رويداً، فمجلس لهوٍ فدخانٍ فمخدراتٍ فمسكراتٌ ثم سرقة ثم معصية ثم قطع طريق وما أكثر الذين لم يعرفوا أنهم قد ضلوا وزلوا إلى أن أوشكت أن تطير رقابهم في ساحات العدل.

هذه نصيحة قد طلبت مني فأنا أقدمها لكم وأقول لكل مهتدٍ: اثبت {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:١١٢] وأقول لكل ضال: عد إلى الله عد إلى ربك وأذكرك بقول الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:٥٣].