للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر]

الشاهد: أن هذا الرجل الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم يهودي يقال له لبيد بن الأعصم، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فحل، أي: من النخيل، وعقد ووضعها، ثم أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر، فكان يخيل إليه أنه أتى أهله وما أتاهم، ويخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، لكن الله سبحانه أنجى نبيه من هذا السحر ورقى جبريل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين فشفي وأخرج السحر وحل بإذن الله وبمنِّ الله عز وجل.

قد يقول قائل: ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر والكفار يقولون: بمعرض احتجاجهم على القرآن {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الإسراء:٤٧] وهو يأتي بالوحي فربما جاءنا بوحي أو شرع تشريعاً وهو في حال من السحر؟ نقول: لا.

لماذا لأن الوحي الذي هو من عند الله لا يمكن أن يتسلط عليه الشياطين أو السحرة أو البشر، بل إن سحر النبي صلى الله عليه وسلم فيه إثبات بشريته صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا نعبده ولا نتوسل به من دون الله، وحتى لا نفزع إليه ولا نلجأ إليه بعد مماته صلى الله عليه وسلم أو فيما لا يقدر عليه إلا الله في حياته، وأما جانب الوحي: فإن الوحي معصوم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال شيئاً من الوحي وهو في حال لا يعقل أو في حال سحر أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن الوحي من عند الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فإذا كان القرآن ينزه أن يكون السحر له تأثير عليه، فكذلك كلامه التشريعي والوحي الذي يقذفه الله إلهاماً وإخباراً وإنباءً من الله لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون سحراً بأي حال من الأحوال.

وطائفة قالوا: لا بد نتكلم أو نرد قضية أن النبي سحر حتى لا يتطرق الكلام أو الشك أو الريب والتردد في مسألة الوحي؟ نقول: لا.

بل نثب ما ثبت في السنة، ونفهم الأمور على حقيقتها، فكما يقول ابن قيم الجوزية وقبله ابن تيمية رحمه الله: إن منهج الأئمة الأعلام والذين آتاهم الله البصيرة والفقه أنهم لا يردون الأخبار بمجرد إيراد تهمة أو شبهة عليها، وإنما يتدبرون ويعقلون ويفهمون ثم بعد ذلك يصرفون الأمور والأحكام وفق ما دلت عليه النصوص، فلا يكذبون بالنصوص ولا يضربون بعضها ببعض.

يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر، وله كتاب قيم جميل عالم السحر والشعوذة، يقول: السحر أنواع: فمنه ما هو حقيقي، ومنه ما هو تخيلي، ومنه ما هو مجازي وهو الذي يعتمد على خفة اليد والألعاب، لكن حتى هذا السحر الذي يظنون أنه يعتمد على خفة اليد لا يخلو من السحر التخيلي، وأنتم تلاحظون أن ساحراً من السحرة يقف أمام الجماهير ثم ينحني راكعاً لهم، وفي الحقيقة يركع للشياطين قبل ذلك ثم يحيونه بالتصفيق وبالصفير والمكاء والتصدية ثم لا يلبث ويأتي بمنديل ويحركه أمامه ثم يدخله في القبعة، ويخرج ثلاثين أرنباً وأربع حمامات وخمسة قطط، وعد من الغرائب والعجائب من هؤلاء الذين يسحرون الناس وهم في الحقيقة سحرة لا شك في أفعالهم.

ويظن ظان أو يقول قائل: إن هذا ضرب من خفة اليد أو شيء من ألعاب السرك ونحو ذلك؟ الحقيقة هي الحقيقة؛ أنه سحر يخيل لهذا الرائي أنه رأى مثل هذه الأمور.