للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المحاسبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله]

عباد الله! هل قضينا هذا العام المنصرم في أمر بمعروف ونهي عن منكر؟ هل قضيناه في دعوة إلى الله واحتساب؟ هل قضيناه في تعلم علوم شرعية نافعة؟ ومزاحمة طلبة العلم عند حلق العلماء؟ هل قضيناه في بذل المعروف للأحباب والأهل والأقارب؟ هل قضيناه في أعمال يسرنا أن نلقاها؟ أم ماذا قضينا هذا العام؟ إن الكثير لا يعرف سوى الخروج من البيت، ثم العودة إليه، ثم النوم، ثم الاستيقاظ، ثم شبع البطن، وبعد ذلك ينام.

إن من يعيش هذه العيشة، فهو كالبهيمة بل أسوأ منها؛ لأن البهائم لم تكلف ولم تخاطب بخطاب شرعي، وهو قد كلف وخوطب، فما جوابه عند ربه يوم العرض والمساءلة، بماذا يخرج الإنسان من هذه الدنيا؟ هل خرج بجهاد في سبيل الله؟ أو بإنفاق وزكاة قدمها لوجه الله؟ أو علم نفع به الخلائق؟ أو حفظ من كتاب الله شيئاً؟ أو كان عابداً قواماً تنتفع البلاد والعباد بفضل عبادته بعد رحمة الله؟ هذا هو الشيء الذي يقدمه الإنسان، ويبقى له بعد مماته، أما الكثير فإنهم يقضون هذه الأعوام، ويموتون كما تموت البهيمة، تجر عن قارعة الطريق، فلا يبالى بأي واد هلكت، وأي سبع أكلها.

إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه

وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه

وموت فتى كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصب ونعمه

وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه

وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه

فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه

وباقي الخلق هم همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه

فكونوا من أولئك الخمسة يا عباد الله، ليعرف كل واحد منكم موقعه ومكانه ومهمته، وواجبه تجاه نفسه وبيته وبلاده وأمته، وولاة أمره والمسلمين أجمعين، وليكن على موقع وعلى ثغر من ثغور الإسلام، لا يؤتين الإسلام من قبله بجهل أو غفلة أو تفريط، أسأل الله جل وعلا أن يوقظنا وإياكم من الغفلة، وأن يرزقنا تدارك الأوقات قبل هجوم الآجال، نسأل الله جل وعلا أن يتوفانا على التوحيد شهداء، وعلى الإسلام سعداء، وأن يحشرنا في زمرة الأنبياء.

اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا حيران إلا دللته برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، وجنبهم بطانة السوء، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفقه لكل ما تحب وترضى، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله، ووحد كلمته، اللهم ثبت أقدامه، اللهم من أراد بهم وبعلمائنا وشبابنا وولاة أمورنا سوءاً فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء.

حسبنا الله ونعم الوكيل، على من يأكل في هذه البلاد من خيراتها وأرزاقها ويهم بالسوء فيها ولأهلها، اللهم إنا ندرأ بك في نحور من أراد بنا شراً، ونعوذ بك من شرورهم، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك.

اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه التي لا تستطيعون حصرها، ولا تقدرون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.