للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال كثير من الناس مع قدوم رمضان]

إن كثيراً من الناس يقدم عليهم الشهر فيستسلمون للأمر الواقع، غير فرحين بقدومه، غير آبهين بإهلاله، غير سعداء بإطلاله، فأولئك نخشى عليهم أن يكونوا ممن قال الله عز وجل فيهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:٩].

إن من لم يأبه بهذا الشهر ويفرح به، وحصل في نفسه ضد ذلك، وهو الألم من انقطاعه عن الملذات والمآكل والمشارب، وألمه في أنه سوف يترك كثيراً مما تعوده من أوهامه التي ينسجها بقدوم الشهر، فهذا على خطرٍ عظيم أن يحبط عمله، وأن يرد صيامه ولو صام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إن كثيراً من الناس اليوم مما تأسف له القلوب حزناً، وتزداد النفوس في أحوالهم ألماً وحسرة، أن ترى بعضهم إذا قدم رمضان كأنهم في ضيق وشدة، وكأن الشهر ضيف ثقيل، ينوء بكلكله عليهم، فيقطع عنهم لذاتهم، فتراهم تتحشرج أرواحهم في صدورهم لم كل هذا؟! لأن رمضان في نظرهم يحجب عنهم ما تعودوه من الذهاب والإياب، والسعي الدءوب، والكدح الذي لا يعرف الملل، في أمور قد فرغت وقسمها الله عز وجل.

هذا في المباح فضلاً عما يقترفه بعضهم من الملذات الوهمية المحرمة، فترى الذين تعودوا الخمر والفساد، وتعودوا الخنا والزنا، وتعودوا المعاصي والآثام، يعدون الساعات والأيام، يعدون عداً تنازلياً متى ينقضي هذا الشهر، ويفرحون بانقضاء أيامه ولياليه، فهم على مرور أيام السنة ولياليها غارقون في الملذات والشهوات والمباحات والمحرمات، فإذا أتى رمضان في نظرهم، حرمهم من هذا ومن غيره، ورأوا أنه يقيدهم يقطعهم عما كانوا يشتهونه.

ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي

ورأوه أعظم قاطع للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي

عباد الله: لأجل ذا كان من واجبنا أن نتميز عن استقبال الغافلين للشهر، وأن نتميز عن استقبال اللاهين للشهر بأن نستقبله بكل فرح، وبكل شكر ودعاء، وبكل خضوع وسعادة أن بلَّغنا الله هذا الشهر، وكم من نفس تدفن في ليلة حلوله! وكم من نفس تبلغ أوله ولا تدرك آخره! وكم من نفس أعدت الطعام والمتاع لبلوغه ولأجل صيامه وقيامه! فكان الطعام لورثتها من بعدها، وأما هي فلم تدرك منها شيئاً.