[كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته]
أيها الأحبة في الله! إن من أهم الأمور التي ندفع بها هذا الخطر: أن نعود إلى الله عودة صادقة، وأن نتذكر: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:٨] إن الرجعى إلى الله، وإن المآل إلى الله، وإن المنتهى إلى الله، فماذا نفعل أو نقول، أو نُبدي حجة أو عذراً حينما يسألنا الله عزَّ وجلَّ: ماذا فعلتم بهذه النعم التي بين أيديكم؟ اجعلوا الله عزَّ وجلَّ بين أعينكم، وراقبوه في أفعالكم وتصرفاتكم.
ثم إن من الأمور التي ندفع بها هذا الشر: أن يهتم كل واحد منا ببيته، وأن يحذر على أولاده وأسرته: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته).
إن غاية الاهتمام والعناية بالولد لا تقف عند كونك تربيه أو تعالجه، بل إن كنت تريد أن تستفيد منه فاجعله ولداً صالحاً يدعو لك: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها: ولد صالح يدعو له) أتخلف ولداً صالحاً يدعو لك وأنت قد جعلت الأفلام والقنوات بين ناظريه منذ طفولته؟! أتخلف ولداً صالحاً يدعو لك وأنت قد أسلمت له الزمام والقيادة فذهب كيفما شاء، وارتحل كيفما اتفق؟! إنها لمن أعظم المصائب! وإن التفكير الجاد، وإنها دعوة لأولي العقول والمخترعين والمكتشفين والنابغين من المسلمين، أن يفكروا بكل جدية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، أن يفكروا في إيجاد أجهزة أو اختراعات تشوش على هذا البث، وتمنع من شره وخطره.
إن هذا داء (وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه, وجهله من جهله) وإنا نقول بإذن الله: ما عقمت عقول أبنائنا الشباب الذين برزوا في الطب، والهندسة، والذرة، والهندسة النووية، وفي شتى المجالات، ما عقمت ولن تعجز بإذن الله عن اكتشاف ما يشوش على هذا بإذن الله ومنه، خاصة إذا استحضروا التقوى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٢].
ثم إن المناصحة، والمكاتبة، والمراسلة، والزيارة لأولئك الذين تهاونوا بهذه الأطباق، وجعلوا هذه الأجهزة في بيوتهم، ومناصحتهم غاية النصيحة لمن أهم الأمور.
إننا لنفزع ونتحرك ونبادر حينما نرى رجلاً أهمل زوجته، أو نبادر حينما نرى آخر في ذمته دين وهو يقدر على سداده فيماطل، ونبادر حينما نرى خطراًَ على أحد لنناصحه، فلماذا لا نناصح أصحاب هذه الأجهزة في بيوتهم؟! لِمَ لا نزورهم فرادى وجماعات؟ {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:٤٦] ادخلوا عليهم، واسألوهم وقولوا لهم، وردوا وأجيبوا بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.
يقول سماحة العلامة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين في خطبة له ألقاها في يوم الجمعة: (٢٥/ ٣/١٤١٧هـ) قال فيها: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرجل راعٍ في أهله، ومسئول عن رعيته) وعلى هذا فمن مات وقد خلف في بيته شيئاً من صحون الاستقبال -الدشوش- فإنه قد مات وهو غاش لرعيته.
ولهذا نقول: إن أي معصية تترتب على هذا الدش الذي ركبه الإنسان قبل موته فإن عليه وزرها بعد موته، وإن طال الزمن وكثرت المعاصي.
فاحذر أخي المسلم أن تخلف بعدك ما يكون إثماً عليك في قبرك، وما كان عندك من هذه الدشوش فإن الواجب عليك أن تكسره؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا في وجه محرم غالباً، لا يمكن بيعه؛ لأنك إذا بعته سلطت المشتري على استعماله في معصية الله، وحينئذ تكون ممن أعان على الإثم والعدوان، وكذلك إن وهبته، فأنت معين على الإثم والعدوان، ولا طريقة للتوبة من ذلك قبل الموت إلا بتكسير هذه الآلة (الدش) التي حصل فيها من الشر والبلاء ما هو معلوم اليوم للعام والخاص.
ثم يمضي فضيلته قائلاً: احذر يا أخي أن يفاجئك الموت وفي بيتك هذه الآلة الخبيثة، احذر احذر احذر فإن إثمها ستبوء به، وسوف يجري عليك الإثم بعد موتك.
نسأل الله السلامة والعافية.
أيها الأحبة! إذا علمنا أن هذا خطره، وقلنا وبيَّنا فيما مضى أن الذين تلزمهم طبيعة أعمالهم أو مهماتهم أو درجاتهم ومناصبهم الأمنية والسياسية أن يتابعوا ما يلزمهم متابعته، أو يفترض عليهم متابعته، فإن ذلك ليس بعذر لبقية الناس، ولبقية بعض الذين وضعوه لا لشيء إلا للشهوات، أو النظر إلى الشبهات، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ثم اعلموا -عباد الله- أننا ننتظر من الله الفرج في إنزال الغيث من السماء؛ ولكننا نغفل أن من بيننا من يستقبل هذا البث وأن فينا من يتعاطى الكبائر، وأن فينا من غصب الحقوق ولم يرد المظالم.
فالله الله بالتوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، وإن كثيراً من المسلمين يستقبلون تلك المصائب والمنكرات برضىً وطيب نفس، كأنهم أمنوا مكر الله عزَّ وجلَّ, ونسوا لقاءه وحسابه، إن الله يمهل ولا يعاجل العقوبة بعباده.
فاحذروا يا عباد الله سخط الله وعذابه، وتأملوا حال السلف وحذرهم من المعصية، حتى أن بعضهم قال: [إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات] أي: من المهلكات.
اللهم وفق واهد وأصلح أولئك الذين وضعوا هذه الأطباق في بيوتهم إلى إخراجها.
اللهم أصلح ذرياتهم، واهدهم واهدنا جميعاً، وأعنا وإياهم على الحق بإخراجها، والبراءة من المنكر في إبعادها وتحطيمها.
اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم لا تمنع عنا الغيث بالربا، أو المنكرات، أو المعاصي، اللهم إن عَظُمت ذنوبنا فإن فضلك أعظم, وإن كثرت معاصينا فإن فضلك أكثر وأكبر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، لا غنى لنا عن رحمتك، ولا غنى لنا عن فضلك ومنك وجودك وكرمك، يا من رحمتك وسعت كل شيء.
اللهم اسقنا غيثاً هنيئاً مريئاً مغيثاً سحاً طبقاًَ مجللاًَ نافعاً غير ضار.
اللهم اسق العباد، والبهائم، والبلاد، واجعله اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، يا رب العالمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع اللهم شملنا وعلماءنا وحكامنا، واهد اللهم ولي أمرنا، ومتعه بالصحة والعافية على طاعتك، واجمع شمله وإخوانه وأعوانه، وسخر له ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك في عز دينك وإعلاء كلمتك.
اللهم ثبتنا على طاعتك إلى أن نلقاك، وتوفنا على أحسن حال يرضيك عنا.
اللهم إنا نسألك عيشة هنية، وميتة سوية، ومرداً إليك غير مخز ولا فاضح، يا رب العالمين! اللهم صلِّ على محمد وآله وأزواجه وصحبه.