للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الولاء والبراء]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وآتاه الفضيلة والوسيلة، وبعثه مقاماً محموداً.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم في كل حال من أحوالكم، وهي وصيته لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١].

معاشر المسلمين! إننا في عصر تكالبت فيه قوى الشر على الإسلام وأهله، واجتمعت عليهم وعلى حربهم صفاً واحداً، على الرغم من اختلاف ملل الكفر وتنوع نحله، وإن كنا نرى في مقابل ذلك آلاف الملايين من المسلمين المتفرقين في أنحاء العالم، ومع ذلك فكثرتهم هذه لم تغن عنهم شيئاً، ولكل واحد منا أن يطرح سؤالاً قائلاً: ما بالنا نحن المسلمين أكثر أمم الأرض عدداً، وأوفرهم أموالاً وأرزاقاً، ومع ذلك فالمسلمون أكثرهم يشردون أو يقتلون ويعذبون ويهانون ويحتقرون! أليست الكثرة تغلب الشجاعة، وتجلب النصر والغلبة؟ نعم.

هذا هو سؤال الساعة المناسب، والجواب عليه يكمن في قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا.

أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، وينزع الله مهابتكم من صدور أعدائكم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

عباد الله! إن ثمة علل وأمراض أصابت الأمة الإسلامية، نخرت عظامها، ومزقت أوصالها، وأسقطت خلافتها، وفرقت شمل وحدتها، حتى وصل بها الأمر إلى ما نراه اليوم من التبعية والهوان والذل والامتحان، ولو ذهبنا نستعرض تلك المصائب والمحن، لطال بنا المقام، ولكن حسبنا أن نتذاكر بعضها بشيء من الإيجاز والاختصار.

ألا وإن من أعظم تلك الأمور وأخطرها، والتي أصابت المسلمين في دينهم؛ هي قضية ضعف الولاء والبراء، ضعف الموالاة والمعاداة في الله، إذ لما ضعف تمكن هذا الأمر في نفوس كثير من المسلمين؛ تبع ذلك نقص وضعف في الإيمان، وحقيقة الولاء يا عباد الله! أن يعرف المسلم أولياء الله من المؤمنين الصادقين، والدعاة المخلصين، فيواليهم ويحبهم، ويعينهم، ويدعو لهم، وأن يعرف أعداء الله فيعاديهم، ويخذلهم، ويدعو عليهم.