للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غنيمة الله غالية]

أيها الأحبة: الغنيمة فيها إشارة إلى أن الأمر لا يدرك إلا بالجهاد، وهذه مسائل خمس قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فغنيمة الحياة قبل الموت، وغنيمة الصحة قبل السقم، وغنيمة الفراغ قبل المشاغل، وغنيمة الشباب قبل الهرم، وغنيمة الغنى قبل الفقر، مسألة لا تنال بالنوم والكسل والدعة والتعليل والتسويف، وإنما تكون غنيمة وتنال بالمجاهدة، وتنال بدفع الإنسان مشاغل كثيرة للحصول على ما هو أجل وأهم، لأن الواحد ربما عرضت له مكاسب عديدة، ولكن قد يفوت الإنسان مكاسب عدة من أجل تحصيل مكاسب أعظم ومكاسب أكبر وأجل، فإذا أدرك العاقل ذلك علمنا -أيها الأحبة- أنا وإياكم والله في هذه الدنيا قد دعينا إلى دارٍ عظيمة؛ إلى دار البقاء، وإلى دار الخلود، وإلى دار النعيم، وإلى دار الرضوان، وإلى دارٍ الحياة فيها أبدية لا موت يكدرها، والصحة فيها أبديةٌ لا سقمٌ يفسدها، وشباب دائمٌ متجدد، وغنىً مما أعطى الله وأنعم الله به على عباده قال جل وعلا: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:١٥].

أيها الأحبة في الله! إننا ندعى ونعد ونبشر ونقرب وكل واحدٍ منا ينادى إلى دارٍ

فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها

إلى أن قال:

ترابها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها

أيها الأحبة: أنا أسألكم سؤالاً: هل رأيتم واحداً دخل المحكمة وقيل له: ما الذي جاء بك إلى دار القضاء؟ ما الذي جاء بك إلى هذه المحكمة؟ فقلت أو قال الداخل: إني أنازع فلاناً مبلغاً عظيماً وقدره مثلاً مليون ريال، ثم لما دخل هذا الرجل في ردهات المحكمة التفت إلى ما فيها من الأساس وانشغل بوجوه الداخلين والذاهبين من حوله، فلما جلس وعرضت دعواه وتأمل ما عنده إذ به يقنع بريالين أو ثلاثة، رجلٌ يطالب بمليون أتظنونه يقنع بثلاثة ريالات أو ريالين، هذا ضربٌ من الخبل أو ضربٌ من الجنون، إذا كان يطالب بحقٍ ولم يكن عفوه أو إعراضه عن التسامح بفضل ماله ولم يكن عفوه لأجل مرحمةٍ أو ثوابٍ أو مغفرةٍ يرجوها، نحن وإياكم في هذه الدنيا نشبه من دخل تلك الدار يطالب بشيءٍ عظيم فرضي بمتاعٍ حقير ويسير.