للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر على المصائب وجزاؤه]

قال الإمام أحمد رحمه الله: إن الله سبحانه وتعالى ذكر الصبر في القرآن في تسعين موضعاً، وقال بعض السلف وقد عزي على مصيبة نالته فقال: ما لي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر بثلاث خصال، كل خصلة منها خيرٌ من الدنيا وما عليها، وهي التي ذكرها الله في كتابه الكريم بقوله: {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٥ - ١٥٧] وعلى أية حال العاقل يلزم الصبر في المصائب والمحن، ويدرك أن الرضا بقضاء الله فيها، والصبر عليها يخفف عنه شدة وقعها ويخلف عليه ما هو خير منها في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة، وأن السخط والجزع، والتشكي والهلع، فلا يدفع من قدر الله شيئاً، ولا يزيد العبد إلا إثماً وبلاءً، فمن رضي بالمقدور وصبر عليه فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط.

معاشر المؤمنين: إننا لنعجب من الذين نراهم في زماننا هذا، وقد خسر الواحد منهم جزءاً يسيراً من أمواله وتراه لا يحمد الله على مصيبته ولا يسترجع في ما حل به وإذا قيل له: احمد الله على ما حل بك، قال: كيف أحمد وقد نزل بي كذا وكذا؟ وقد خسرت في تجارتي كذا وكذا؟ فذلك في غاية الاعتراض والدفع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره عياذاً بالله! من الاعتراض على قدره، ومن السخط بقضائه.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الذين هم في البأساء من الصابرين، وفي الضراء من المسترجعين وفي النعماء من الشاكرين، وأن يجعلنا من عباده المحسنين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، وأراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ضالة، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً واختلاطاً، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أدر عليه دائرة السوء يا جبار السماوات والأرض! اللهم اختم بالشهادة والسعادة آجالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا ولا تجعل اللهم إلى النار منقلبنا ولا فيها مثوانا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مديناً إلا قضيت دينه، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحة وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها، وأعنتنا على قضائها يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك التوبة والاستدراك قبل الوفاة والاستعداد قبل الممات برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا، اللهم أصلح إمامنا، اللهم وفق إمامنا لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح بطانته وقرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته وباعد بينه وبين من علمت فيهم شراً له ولأمته، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لموتانا وجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم منزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين!.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].

فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.