للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكمة الابتلاء بالمصائب]

المصائب يا عباد الله! إنما قدرها وابتلى العباد بها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وهو سبحانه لم يُرسل إليهم البلاء ليُهلكهم، ولا ليُعذبهم ولا ليجتاحهم، وإنما ابتلى عباده ليمتحن صبرهم ورضاهم عنه، وإيمانهم به، وليسمع تضرعهم وابتهالهم، وليرى العبد منهم طريحاً ببابه، لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعاً قصص الشكوى إليه، ولو لم يُصب العبد بهذه المحن والمصائب، لأصابه من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً.

فمن رحمة الله أرحم الراحمين، أن يتفقد عباده بأنواع ومن المصائب بين حين وآخر، تكون حماية لهم من هذه الأدواء، وحفظاً لصحة عبوديتهم.

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

ويا عباد الله! إنما يبتلى الناس على قدر دينهم، فأشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون فالأمثل ثم الأمثل، كل يبتلى على قدر دينه، وإن الذين يقعون في جزعٍ وهلعٍ وخوفٍ، فإنما هم يفوتون على أنفسهم أعظم الأجر بفعلهم هذا، وإلا فإن من المصائب ما يكون بعدها خير ونصر وظفر.

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج

يقول الله جل وعلا: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:١٩] ويقول جل وعلا: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦] فهل بعد هذا نجزع أو نعترض أو نولول أو ندعو بالمصيبة والهلكة أمام شيء من المصائب؟ لا والله ما يفعله إلا غافل أو جاهل.

وكما سمعنا آنفاً: من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم عند البلاء من الصابرين، وعند النعماء من الشاكرين، وأن يجعلنا يوم القيامة من الآمنين، وأن يُدخلنا الجنة أول الداخلين، وأن يثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل أقدام العابرين، وأن يؤتينا صحفنا باليمين، وإن يجعلنا مع الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين.

اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم اختم بها آجالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له وللمسلمين خيراً، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له وللمسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تُفّرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، ولا تهتك لنا ستراً، ولا تفضح لنا عورة، اللهم اغفر لموتانا ولنا أجمعين، الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، صاحب نبيك على التحقيق أمير المؤمنين أبي بكر الصديق، وارض اللهم عن الإمام الأواب شهيد المحراب، الذي وافق حكمه حكم الكتاب عمر بن الخطاب، وعن مجهز جيش العسرة بأنفس الأثمان عثمان بن عفان، وعن فتى الفتيان ليث بني غالب علي بن أبي طالب، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].

فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.