للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف يعقوب من أولاده في فقدهم لبنيامين]

فلما جاءوا إلى أبيهم عليه السلام، قال لهم مثلما قال يوم أن جاءوا بدم كذب على قميص يوسف، قال لهم: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} [يوسف:٨٣] إن الله عليم بحالي، حكيم في قضائه وقدره في أولادي، ثم تولى يعقوب وأعرض عنهم، وذكرته هذه الحادثة بفقده يوسف، فقال {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:٨٤] ساكت حزين كئيب لا يشكو أمره إلى مخلوق، وهذا ملاحظ مشهود إذ قد يقع للإنسان من المصائب والآلام ما يجعله كئيباً ساكتاً لا ينطق بشيء من شدة حزنه وآلامه.

فقال إخوة يوسف لأبيهم يعقوب: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف:٨٥] إن استمر بك هذا الحال، فقال يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:٨٦] يريد بذلك تحقيق رؤيا يوسف وظهورها.

ثم التفت يعقوب إلى أبنائه وقال: اذهبوا وتحسسوا من يوسف وأخيه، لا تيأسوا من روح الله، فذهبوا إلى مصر، ودخلوا على يوسف، وقالوا له: يا أيها العزيز! مسنا وأهلنا الضر والجدب والقحط، وجئنا ببضاعة مزجاة، ومعنا ثمن الطعام الذي نمتاره وهو قليل، فأوف لنا الكيل، وتصدق علينا برد أخينا إلينا، واقبض هذه البضاعة المزجاة منا، إن الله يجزي المتصدقين، ولما ذكروا له ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام، وما أصاب والدهم من الحزن لفقد أولاده، رق قلب يوسف لهم، وقال لهم: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف:٨٩] فعرفوه عند ذلك، وقالوا: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٩٠] فقال إخوته: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف:٩١] وإنا لمخطئون فيما فعلناه في حقك، فقال يوسف: لا تثريب ولا تأنيب ولا عتاب عليكم، ثم دعا لهم بقوله: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٩٢].